قال الشيخ أبو بكر البناني الشاذلي الدرقاوي:
مما يدلك أيها الإنسان على شرف قلبك وخسة نفسك أن الله سبحانه إنما أوقع البيع على النفوس لا على القلوب، لأن النفوس هي التي دخلت تحت سلطان الإنسان وملكها، وأمّا القلوب فإنها لم تدخل تحت الملك لأنها مستغرقة في رؤية الصفات، فالذي وقع عليه البيع ما هو من صفتك، وهو النفس. وأمّا القلب فليس من صفتك وليس داخل في ملكك لأنه مكتنف في سرادقات الجمال والجلال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" .
فالقلب أبداً مستغرق في مطالعة أسرار القدم سواء أقبل صاحبه على مطالعته أو أدبر، لأنه لا تلحقه العوارض ولا الهواجس النفسانية لأن أوصاف النقص لا تليق إلا بالناقص، ووصف الحدوث لا يصل إلى القديم. ولأجل هذا المعنى قال الله جل علاه: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}، والمراد بالنفس التي وقع عليها الشراء موضع كل شهوة وبلية، والمراد بالمال كل إثم ومعصية. فالحق سبحانه أراد أن يزيل ملكك عمّا يضرّك ويعوّضك عليه ما ينفعك عاجلا أو آجلا.
وتأمل يا أخي ما تعطيه لطيفة التعبير بالماضي في قوله {اشترَى}، فإنه يشير إلى أن الشراء وقع حيث لا أين ولا بين ولا قبل ولا بعد، وأن المؤمن لا نفس له، لأنها دخلت في البيع من الله قديماً، والسرّ في وقوع الشراء عليها في سالف الوجود هو أنه سبحانه رحيم بعباده المؤمنين، ومن رحمته أنه لمّا أوجد النفس ألبسها لباس قهر الربوبية فأسخطت من مباشرته وصف الكبرياء، فلمّا اتصف بقهره تعالى نازعته، فعلم الحق تعالى أنه لو تركها مع المؤمنين أغوتهم كما أغوت فرعون في دعوى الأنانية بالصراحة والمقال، فملكها بقهره حتى لا يبقى في المؤمن غير العبودية ولا يتصف بوصف الحرية.
فهذه رحمة ربانية اختض بها صاحب الصفات الإيمانية حيث أقام نفسه مقام المؤمنين إشارة إلى مقام الاختصاص والاتحاد، وهذا غاية البر واللطف بعبده المؤمن. فواجب على من أطلعه الله على هذه اللطيفة الربانية أن يوفي بعهده من الله وأن يمكن الحق من نفسه تصديقاً لوعده وإقراره في الأزل بقوله «بلى». والتمكين هو أن يبيع الحياة الفانية بالحياة الباقية حتى تصلح المجاورة الحضرة الحقية، لأن ذلك هو غاية مطلوب العبد من ربه.