قال الشيخ أبو الوفا مسلّم الكلشني:
القلب مظهر التقليب الإلهي، وحكم التقليب الإلهي هو {كل يوم هو في شأن}، فهو بلا قرار وغير متناهٍ. ومن المعلوم والمفهوم أن خير جميع أعمال وأفعال البشر وشرها منشأها ومصدرها القلب، وبعد تعلق روح الإنسان ببدنه كان مجيب أمر الروح في البدن هو القلب، لأن يتقلب بين التجليات، فكماله هو المقصود بالذات، وكمال غيره مقصود بالعرض.
وكمال القلب هو العلم بالله، وسائر كمالات الأعضاء والقوى تابعة لكماله. وعند أهل التحقيق القلب هو البيت الشريف العتيق وسط أرض معمورة البدن، ومشرقه ومغربه إشارة إلى الأرواح والأجسام كما قال تعالى في تنزيله: {ولله المشرق والمغرب}، وعالم الأجسام قفا مرآة القلب، لأن قفا المرآة يطلى بأمر كثيف حتى يظهر فيه اللطيف. وليس للقلب مرتبة المظهرية ما لم يكن مرآة للمصنوعات كلها، وهذه المرتبة بالاتفاق هي رداء الكبرياء، فبالنسبة إلى أرباب القلوب فالتعلق ببعض الأمور الدنيوية ليس إلا صورة للتعلق بالأمور الروحانية القائمة عن الأسماء الإلهية، فيتعرض لهم قاصرو النظر لحجابهم.
هذا بالنسبة إلى من صحت نسبته إلى روحه، أما الذين {في قلوبهم مرض} فمطلوب تعديل مزاجهم باللجوء إلى الطبيب الحقاني ليداويهم بالدواء الروحاني، ولذا قالوا: "العلماء أطباء الدين" وقالوا: "لولا المربي ما عرفت ربي"، فإن الحاجب عن القلب الأخلاق الردية وإزالتها ودفعها متعذر بمجرد الأعمال الظاهرة أو الأحوال الباطنة، بل يحتاج السالك إلى الخلاص بالكلية كما في بشارة: {يد الله فوق أيديهم}، أي يد الاسم الأعظم الكلي فوق أيدي أسمائهم الجزئية، ولا شك في أن الواحد الكلي أقوى من المتعدد الجزئي.
وفي الآية إشارة إلى المسارعة إلى المبايعة والإنابة "موتوا قبل أن تموتوا" و"الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.