المعرفة شهود الحق في الخلق - سيدي الهاشمي بن عجيبة

قال سيدي الهاشمي بن عجيبة، شقيق سيدي أحمد بن عجيبة:

المعرفة شهود الجمع في فرقه، هي معرفة الله في خلقه، فأهل المعرفة امتحت عنهم الأكوان، ونفذ نظرهم إلى شهود الله بالعيان، فإن رأيتهم يتذللون فذلهم الله الذين لا يشهدون إلا إياه، وإن رأيتهم يسألون فسؤالهم الله الذين لا يشهدون إلا إياه، وإن رأيتهم يخافون فخوفهم من الله الذين لا يشهدون إلا إياه، وإن رأيتهم يستحيون فحياؤهم من الله الذين لا يشهدون إلا إياه، وإن رأيتهم يتكلمون فكلامهم مع الله الذين لا يشهدون إلا إياه، وحالتهم أيضًا يرفعون بالله من يستحق الرفع ويضعون بالله من يستحق الوضع ويقربون بالله من يستحق القرب ويبعدون بالله من يستحق البعد وهكذا.

وهؤلاء الرجال وهم الذاتيون الجبروتيون، وغيرهم مَلَكُوتيون ومُلْكِيون، فَالْجَبَرُوتِي حقي له قوة على التصرف، والملكوتي روحاني له قوة على التشكل، والْمُلْكِي حسّي له قوة على التحمل .

واعلم أن الجبروتكنز لطيف ذاتي أزلي، قد تنزه عن الرسم والشكل، بحر ذات الحق ، كل الأنوار منه تدفق، يُدرك من انطوى فيه بالعلم بالله، وشهوده شهود الله. والملكوت تكثيف جمعي معنوي من جبروت لطيف أقدسي، والْمُلْك تكثيف حسي فرقي، من نور محمدي حقي قدسي.

والروح بحر جبروتي واسع لطيف, سر الله الأزلي الأبدي، وتضاف للحق حقيقة فتقول روح الله، وتضاف لمولانا محمد صلى الله عليه وسلم شريعة فتقول روح محمد صلى الله عليه وسلم، وتضاف لما ظهرت فيه من المظاهر المحمدية فتقول روح فلان وفلان، وتسمّى بالخمرة، والخمرة تسمّى بحسب كأسها، فإن شربتها بـلا كـأس قلـت فيهـا الخمرة الإلهية، وإن شربتها من كأسها المحمدي الأصلي قلت الخمرة المحمدية ، وإن شربتها من كأسها الفرعي قلت فيها الخمرة الإنسانية، الماء واحد والزهر ألوان، ولون الماء لون إنائه، والكل في الآدمي الذي هو خليفة الله ومظهره الجامع الأكمل، فالخمرة الإلهية التي هي حرية بلا عبودية هو بها في سره، والخمرة الأحمدية التي هي حرية وعبودية هو بها في نفسه المطمئنة.

واعلم أن الذات واحدة والصفات مختلفة والأسماء متعددة، شربها اتصال المعاني من باطن الأواني، والري بها اتصال الكل بالكل، والسكر بها استهلاك الذات في الذات، وصحوها شهود الذات بالذات، وساقيها شيخ خمر فاختمر، وتعبد فتحرر، وشاربها مريد يقبل الانفعال، يتربّى بالهمة والحال والمقال، ولا يبالي بالنساء ولا بالرجال، ولا يلتفت لجلال ولا لجمال، ولا يقف مع علم ولا عمل ولا حال، يقتحم الموت والعذاب والنكال، حتّى تخلى عن النفس والأهل والمال، وقصد الله الكبير المتعال، خده مبسوط لأهل الله الكمال، يشرب منهم الحق بلا محال، وصار مراده مرادهم في الحال والمال.