قال سيدي علي الهمذاني الكبروي، المتوفى سنة 786 هجرية، في شرحه على أسماء الله الحسنى:
القدّوس هو المطهّر المنزّه عن كلّ ما وصف به، الّذي قدّس نفوس الأبرار عن أدناس المعاصي، وأخذ الأشرار بالأقدام والنّواصيّ، وكلا الأمرين من آثار أحكام قدسه ونزاهته لمن تدبّر الأمر وفهم .
اعلم أنّ الطّهارة والنّزاهة متردّدة بين مرتبتين: الإطلاق والتّقييد، حاكمة على كلّ عين من الأعيان، ظاهرة في مظاهرها، يشهد أرباب الشّهود آثارها بحسب درجاتهم في الكشف، فإنّ من أهل اللّه من يشاهد هويّة الحقّ في مظاهر الممكنات، فيشهد التّقديس لها بوجود الحقّ وظهوره في أعيانها، وتقديسها به عمّا كان يختصّ بها وينسب إليها من الإحتمالات الإمكانيّة والتّغيّرات الحدوثيّة والظّلمات التّقييديّة، ويرى الأمر واحدا بتجلّيّه في الأعيان القابلة الكثيرة، على أنّ كلاً من أعيانها في أحديّتها لا تتغيّر عينه الوجوديّة، وإنّما يظهر بعضها لبعض ويخفى بعضها عن بعض بحسب قابليّتها وخصوصيّتها، فكلّ عين في خصوصيته وقابليّته لشؤون التجلّيات مقدّس عن خصوصيّة أي عين أخرى.
ومن أهل الكشف من يشهد الحقّ عين المظهر، ويرى أحكام أعيان الممكنات ظاهرة في مرآة وجود الحقّ، فيعود التّقديس في هذا الشّهود إلى ذات الحقّ عمّا ظهر من تغيير أحكام الممكنات في عين الحقّ، فيشهد الحقّ مقدّسا قدّوسا عن التّغيير في ذاته بتغيّر هذه الأحكام، كتنزّه نور الشّمس عن الإنصباغ عند وقوعه على الزّجاجات المختلفة الألوان مع شهود الحسّ النّور متلوّنا.
وقال سيدي أبو الحسن الحرالي في شرحه على أسماء الله الحسنى:
فإن وحدة الروح لا تقبل عددًا، ولا ينقطع اتصالها أبدا ولا سرمدا،؛ لأن وحدته عزّ وجل أولية لا يعتريها فصل، فإنّ الفصل وأضداده كائنات متكثرة بالتبارك الرحماني، لا تحيز لها في الغيب، وإن كانت معلومة، لا تزيد إذا أخرجت إلى العيان ولا تنقص. وعلى هذا السبيل مشى العارفون بحسن الخلق مع الكافة؛ إذ لا حقيقة لما يبدو منهم من الإساءات الطارئة بحسب ما تتضمنه الأوقات إلا بالوهم؛ فإن وجود الحق تعالى كله محمود لا يتغيَّر، قال الله تعالى: {لهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَة}. ولأجل هذه الوحدة السابقة تأكد التراحم بين الفضلاء بحسب استنشاق طيب الوحدة الغيبية.