توحيد الأفعال - الشيخ عبد الرزاق القاشاني

قال الشيخ عبد الرزاق القاشاني في رسالة التشريقات:
قال الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}. توحيد الأفعال هو توحيد الملك، والملك هو عالم الشهادة، يعني ظواهر الأجسام والأعراض من محيط الفلك إلى مركز الأرض، وليس فيه تأثير إلا للحق تعالى، وكل أثر لشيء في غيره إنما هو فعل الحق، ولا مؤثر إلا الله، لأن التأثير في العالم إما يكون بفعلنا أو لا، فإذا كان بفعلنا فإما أن يكون باختيارنا أو لا، واختيارنا إما يكون مخلوقاً لنا أم لا، وقد قال تعالى: {الله خالق كل شيء}، فهو خالق الاختيار فينا والفعل على أيدينا فهو الفاعل المختار حقيقة. 
وتأثيرات الأجرام السماوي، وتغيرات الأجسام العنصرية هي من خواص هذه الأجرام، وهذه الطباع استعدادات مستمدة من فيضه الأقدس تعالى، فالمواد تحت قهر الطباع، والنفوس ملكوت هذه الأجرام، والملكوت تحت قهر الجبروت، والجبروت تحت قهر الجبار، وهو الله الواحد القهار، فسلسلة الأسباب والمسببات تبدأ وتنتهي عنده تعالى، فالأرض في قبضة قدرته {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} والكواكب والأجرام تحت ذلك تسخيره {وسخر الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره} والناس والدواب في قيد أسر عبوديته {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها}. 
وتحصيل هذا التوحيد عياناً إنما هو بمحو الآثار البشرية، ومنع الأفعال البدنية، وقمع الدواعي الطبيعية، وطمس البواعق الجبلية، ورفع النزوات النفسانية، ودفع الوقبات الشيطانية، وتخلية مرآة القلب عن صدأ صفات النفس حتى يتجلى عليها الحق بصورة {فعال لما يريد} وتغيب البصيرة، بمحض رؤية فعل الحق، عن فعل الغير، فيظهر لها سر "بي يبطش" فيرتفع عنه الخوفمن الأغيار، والحزن من الفقد، بالتحقق بمعنى {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} فلا يرى إلا الحق في مقام التوكل، دون أن يرى تأثيراً لا لسعيه ولا لغيره، متحققاً بقوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.
فيقدم بقوة وشجاعة لمشاهدته عياناً قوله تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المتوكلون}.