قال سيدي أبو المواهب الشاذلي في شرحه على الحكم العطائية، عند قوله: مما يدلك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس بموجود معه:
توهم وجود الغير مع الله سبحانه محال عند أهل الحقيقة من الرجال الذين تحققوا بمراتب الكمال في معاني الجلال والجمال فهذا الشهود السوی مفقود ومن رأى الغير والسوي فهو على غير استقامة واستوى لنفود إرادة القهار فيه الغالبة على أمره ببينونة الحجاب الموقعة لصاحبها في شرك الشرك بواسطة الأسباب . قال ابن عباس رضي الله عنهما في في تفسير قوله تعالى : {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه}: أي الكل منه وذلك أن في كل شيء اسم من أسمائه ، واسم كل شيء من اسمه فإنما أنت أسمائه وصفاته وأفعاله باطنا القدرته وظاهرا لحكمته ظهر بصفاته وبطن بذاته ، حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال وكشف العلم بالإرادة وأظهر الإرادة بالحركات وأخفى الصنع بالصنعة وأظهر الصنعة بالأدوات ، فهو باطن في غيبه وظاهر في حكمته وقدرته.
فانظر رحمك الله كيف أظهر سر المعرفة وحقيقة العلم بالله سبحانه في قوله: في كل شيء اسم من أسمائه". ومعنى ذلك أن وجود الأشياء كلها مفاضة عن وجود صفاته وأسمائه الحسنى لم يخرج عنها ذرة فيما فوق الفوق وفيما تحت التحت . قال الله تعالى : {الله خالق كل شيء}، وقال تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}، وهذه الخزائن هي أسماؤه وصفاته التي عنها وبها صدر كل شيء فافهم واعلم يرفع لك الحجاب ويؤذن لك الدخول من الباب، ولنا في هذا المعنى:
من كان يشهد للحجاب بنوركم رفع الحجاب له عن الأكوان
وبدا له سر الحقيقة ينجلي في كل طور مع بيان معان
وإذا غلب هذا الشهود على الشاهد في حضرة المشهود ، واستصفى له الشراب، ورأى الكائنات كالسراب ، وأتحف بسماع الخطاب في السؤال والجواب فهذا الفناء عن الكائنات بمکونها وعن الشهود بالمشهود، وعن الأنية والأينية لما بدا من ظهور الهوية ، فلهذا ترى صاحب هذا الاصطلام لا تؤثر فيه الأوهام ، وكلما رأى طورا من أطوار الكائنات رده نفوده إلى شهود التجليات ، فهو على المحال يستجلي أسرار الجمال.