قال الشيخ محمد بن سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات قدس سره ونفعنا به:
عليك بذكر لا إله إلا الله، أيها المريد. احذف الألف واللام تجد لذة عبادتك وتشاهد ربك، واحذف اللام ألف تكن من أهل اليقين والشهود. إذا رميت بلام النفي وراء ظهرك، أثبتّ لله الصفة الكاملة، وإذا رميت بها الوجود دخلت في الصفة الكاملة. إذا قلتك "لا إله" اجتمع الوجود كله في هذه الهاء، وإذا قلت: "إلا الله" طلعت من أعلى الموجودات إلى دنو الرب، قال الله العظيم: {ثم دنا فتدلى}.
فإذا قلت: "لا إله" كنت فانياً عن جميع الموجودات، وإذا قلت: "إلا الله" كنت باقياً ببقاء ربك.
إذا قلت: "لا إله" رفعت الهمة الأولى إلى الرب، وإذا قلت: "إلا الله" غابت صفاتك في صفاته، وتجلت في ذاتك ذاته، فكنت فانياً عما سواه. إذا قلت: "لا إله" كنت متحيراً بوجودك، لا تدري أين تمشي ولا أين تمضي، فإذا كنت على هذه الصفة أثبتّ الصفة القديمة لله تعالى، وإذا أثبتّ له الصفة القديمة تقول: "إلا الله".
فإذا قلت: "لا إله" نظرت إلى الوجود بعين الفناء، وإذا قلت: "إلا الله" نظرت إلى الله بعين البقاء، فيكون ذكرك مستوياً مع قلبك. الجسم للفناء، والقلب للبقاء، والقلب للفناء، والسر للبقاء، والسر للفناء، ولرب للبقاء.
استنارت قلوب العارفين بنوره، وآنسهم بقربه. عليك بقربه أيها المسكين تكن حياً أبداً.
وقال الشيخ سيدي عبد الرحمن الفاسي في بيان بعض عبارات سيدي الجزولي:
في هذا الكلام الترقية من حال الأبرار إلى حال المقربين، فإن الأبرار مطلبهم ما عند الله، ومطلب المقربين الله لا غيره. وقوله: "احذف اللام الألف" إلخ، أشار بحذف الألف واللام إلى الفناء، فإنه السبيل إلى المشاهدة، وذلك حاصل من النفي للشعور بغير الله، وعند ذلك يشاهد الله، كما في إشارة: "إن لم تكن" أيها العبد الحادث "تراه". والإشارة بالحذف هي أن الذاكر هو المذكور بورود مادة الحق على القلب، فيمتحي العبد وكسبه ويكون الله ذاكراً لنفسه. وتلك موهبة محضة قد انطوى فيها وانحذف وجود العبد وكسبه، لكن إن بقي مع ذلك شعور بالوارد، كان العبد من أهل اليقين والمشاهدة، ولم يكن من أهل الاستغراق حتى يفنى عن الشعور بالكلية، فحينئذ يكون إما من أهل الجمع المطلق والأحدية المحققة، أو من أهل البقاء إذا مد بسره، فيكون ذاكراً ربه بربه، من غير شعور بوجوده ولا بكسبه، وإنما ذلك يجري عليه.