صحة القلب شهود الحق - سيدي جمال الدين الخلوتي

قال الشيخ جمال الدين الخلوتي:

لا يحصّل القلب المعارف الذوقية بغير استعداد، ولا يصح بها من دون أن يكون فيه الاستعداد لقبولها، بل يمرض من مصادمتها له، ويسكن في الحجب ولا يخرج منه، ولا يطلب شهود الذات، مع أنه ليس شيء غيره من الموجودات في الحقيقة. قال ابن الفارض رحمه الله:

ولو طرحوا فـي ظل حائط كرمهـا          عليلًا وقد أشفى لفارقـه الـسقم

أيها الطالب، اعلم أن المشاهد الله هو الله، وغيـر الله تعالى معدوم، ومن رأى غيره كالأحول، فهو يحشر أعمى، وإليه أشار رب العزة بقوله: {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى}.

واعلموا أنه لا عزَّة لكم عند الله مع ترك التقوى، كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقاكُمْ}، فلا بد للمؤمن أن يحفظ الأدب مع الله والأدب مع رسـولـه، بـه تعالى، عاملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ﴾. وقس على هذا الأدب مع الشيخ.

وتلخيصه أن للسالك أن يزين قلبه بأنوار الذكر والطاعة والقناعة والزهد والمحبة والمعرفة والولاية، ومن زين قلبه بهذه الصفات كان مستحقًا لشهود الحق بغير قيود الإمكان، مظهرًا لآثاره في الظاهر والباطن، فافهم ولا تغفل.

وطهروا نفوسكم من الأغيار حتى تكون قلوبكم وأرواحكم وأسراركم في راحة بشهود أنوار الأسماء والصفات ومنها إلى شهود الذات، وتجـدوا نجاة من قيود النورانية والظلمانية، وإليه أشار رب العزة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَاهَا}، فلا بد له أن يرجع من ظلمات الإمكان إلى نور الوجوب الذي هو عين نور الحق، حتى يخرج من ظلمة النفس إلى نور القلب بعون الله وإذنه، ثم يخرج منهـا إلـى نـور الـروح وكـذا حال غيرهم حتى ينتهي إلى الله تعالى، وإذا انتهى إليـه كـان خـاليـا عـن غيـره.

والحاصل: أن من يكون عاريًا من وجوده جعله الله موجوداً بوجوده، وقلبه مشرقًا بقوله: {اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، ومعمورًا بأسراره ونحوها ، وحينئذ يكون القلب راحة بلا ريب.