قال الشيخ علاء الدولة السمناني الكبروي المتوفى سنة 736 هجرية:
اعلم أن مشارع أبواب القدس، ومراتع حضرات الأنس مضنون بها على غير أهلها، ويغار عليها حتى من أهلها أن يمسها قبل تطهير ظاهره بمياه الأحكام الشرعية، وتجلية باطنه بمصقلة آداب الطريقة الصفية المنسوبة إلى الصوفية، المأخوذة من الأئمة الرضية المتصلة بالولاية الوراثية، وتحلية سره بتجلي أنوار الحكم المقتبسة من مشكاة النبوة المصطفوية، وتخلية الأيدي عن أعراض الأكوان بالإعراض عن الأغراض الصادة له عن طلب الحقائق الموصلة له إلى مشاهدة الوحدة الذاتية في الكثرة الصفاتية والأفعالية والآثارية بالولاية السرمدية، وعن التمتع بحسن النقطة الأحدية بواسطة النقطة الواحدية، وعن اشتمام عرف النقطة الذاتية بمشام اللطيفة الأنائية بواسطة الاتصاف بالصفة الصمدية.
وأهل هذا المقام كل شخص فطن سليم الفطرة الأصلية عن الآفات الطارئة عليها في الأطوار البشرية، ساذج لوح إدراكه عن النقوش التقليدية، مستعد زيته لقبول فيوض النار المباركة الحاصل منها نعمة المشاهدات الغيبية، ونغمة المكاشفات الوهبية، صاحب نصاب في العلوم الكسبية، ذي نصيب من الآداب المرضية، طالب حق غير مجادل ولا ممارٍ، مسلم نفسه وماله من الاختيار والمال والمنال إلى من يهذبه وعن رعونات النفس وكدورات الهوى، ويهديه إلى الصراط المستقيم، ويوصله إلى النعيم المقيم.
ومع هذا كله، لا يجوز لهذا العبد العارف مس هذه المشاهدة القدسية ومعه شم من حب الرياسة والجاه، أو عائق عن شرب التحقيق، أو شك في صحة الطريق، أو إذ عدم صحبة رفيق التوفيق، فمن صحبه رفيق التوفيق يجمع فيه ما عددناه من قريب، ويستحق لأن يكون أميناً على أسرار الربوبية، خازناً للأمانة العظمى المختصة بالألوهية.
واعلم أن الله تعالى كتب بقلم الخفي القدسي والمداد النوري السري المستكن في الدواة الروحية جميع ما في علمه الأزلي مما أراد ظهوره في عالم الإمكان، على لوح العقل أولاً، كما كتاب على لوح القلب الإيمان، واعلم أن الصفة لا تنفك عن الذات أصلاً، وكلمات الله المودعة في اللطيفة الإنسانية قائم بكلام الله، وهو مدلول هذه الكلمات، ولكن لا يمس هذا القرآن العظيم، المعظم تاليه عند ربه، المخصوص بالتجليات المعنوية والذوقية، لمن لم يكن مطهراًُ بالطهارة الكبرى في الحضرة الأحدية العظمى، والطهارة الكبرى عبارة عن غسل اللطيفة الأنائية بماء القم عن حديث الحدوث، بعد الاغتسال عن الشرك الحفي وحدث الخاطر الغيري بماء الذكر الرباني فافهم.