قال سيدي محمد بن يلس الشاذلي الدرقاوي قدس سره في قوله صلى الله عليه وسلم:وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث:
يشير إلى القرب. وهو نوعان: قرب فرائض، وقرب نوافل. أما قرب النوافل فهو عبارة عن الفناء في الصفات، أو تقول: هو عبارة عن زوال جميع صفات البشرية التي تقتضيها عادة البشر وفنائها في العبد، وظهور صفات الله تعالى على العبد بأن تظهر فيه الحياة الأزلية وتنعدم فيه الحياة الدنيوية، بأن يحيي ذلك العبد من شاء بالحياة الحسية أو المعنوية، ويميت من شاء كذلك بإذنه تعالى وقدرته وبإرادته التي ظهرت في العبد؛ إذ قد ورد في الحديث القدسي: «ابن آدم إني أنا الله أقول للشيء كن فيكون، أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون»، وكذلك يسمع من جميع جسده من غير تخصيص بحاسة سمع، وكذلك يبصر من جميع جسده من غير تخصيص بحاسة بصر، لا من الأذن فقط، ومن العين فقط، وباقي الصفات على هذا القياس، وهذا معنى فناء الصفات البشرية في صفات الله تعالى الأزلية.
وقوله: (لا يزال) إشارة إلى نية الدوام على محض الطاعة، وقوله: (عبدي) إشارة إلى أنه لا يكون كذلك إلا إذا كان قائماً بصفة العبودية، ولم يقل: كنت اسمه لاندراج جميع الأفعال والأسماء والصفات في الذات في قوله: (كنته) كما ورد في بعض الروايات، فأما قوله: كنته شامل للذات والأسماء والصفات والأفعال والأحكام.
أما قرب الفرائض فهو عبارة عن الفناء في الذات المشار إليه بقوله تعالى في بعض الروايات: (كنته)، وإن شئت قلت: هو فناء العبد بالكلية عن شعور وإدراك جميع ما في العالم من الموجودات، بل هو فناء عن العالم كله؛ فناء في الظاهر والباطن حتى عن نفسه؛ فلا يشهد إلا عدماً محضاً ومجرد اعتبار للوجود بحيث لم يبق في نظره البصري والفكري إلا وجود الحقّ سبحانه وتعالى، فيفنى حتى عن إرادته الفناء وعن شعوره أنه فانٍ، وهو فناء الفناء المفسّر بالبقاء الذي هو عبارة عن شهود أن الله محيط بكل شيء، فالفناء في الصفات ثمرة المواظبة على النوافل، والبقاء في الذات ثمرة المواظبة على الفرائض، ولا تحصل هذه الثمرة ولا ثمرة النوافل إلا للذي يتبع النبي ﷺ عبوديةً لله وامتثالاً لأمره، ويرى ذلك نعمةً من الله عليه، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾] لا لمن يعبده خوفاً من ناره، أو طمعاً في جنته؛ لأنه طالب أجرة على عمله في زعمه، والحال أنه لا عمل له فهو طالب أجرة على عمل ليس هو بعامله، قال ابن عطاء الله: (إذا أراد أن يُظهرَ فضله عليك خلق ونسب إليك)، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ﴾.