قال سيدي محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
ومن أدب المريد: أن لا يطلب التقديم على الإخوان ولا أن يكون رئيساً يرجعون إليه في أمورهم، فإن هذه علة خفية قد وحل في شبكتها جل المريدين، وقل من سلم من ذلك، وهي من أقبح القبائح تؤدي صاحبها إلى الفضائح. وهم في هذا على هذا قسمين: قسم يميل إلى ذلك بقلبه ولا يحب أن يظهر ذلك على جوارحه، وذلك لقربه من الإخلاص.
وقسم : يكون ذلك في قلبه ويظهره على جوارحه، وذلك لبعده من الإخلاص. وصاحب هذا الوصف قل أن يفلح، ونفس هذا أمّارة، ولو لم تكن أمّارة لما أرادت الإمارة. ولعل صاحبها كان يطلبها قبل ذلك على العامة، فلما دخل حزب الخاصة ولم تكن له نية قوية وصدق تام ولا إيمان راسخ جعل يطالب الإمارة على الخاصة، وهذا كله من عمى البصيرة وتشتيت الفكر والبعد من طريق الأخيار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولو دخل بنية قوية وصدق تام وإيمان غليظ لظهرت نتيجة ذلك على جوارحه، أي ظاهره، ولتحقق بأوصاف العبودية كالفقر والذل والعجز والجهل وغير ذلك من الأوصاف التي فيها رضى الحق تعالى.
وينبغي لهذا المريد أن يلزم نفسه الخروج عن عوائدها، وأن يصحب الذل التام في الظاهر والباطن مع الإخوان، والتأخر عنهم في كل ما فيه رائحة الجاه والرفعة، وليلزم خدمتهم والأدب معهم، وليجلس في محل حط نعالهم، وليكن لهم عبداً مملوكاً، إن أراد أن يكون من الملوك. ولا يتقدم عليهم في شيء وإن قدّموه، إلا إن علم من نفسه السلامة من هذه العلة الخفية التي كانت ساكنة في باطنه ، وهو يعرفها قبل صحبتهم وبعدها ، وهي حب التقدم والتصدر والرجوع في النظر إليه ، ليقال : سيدي فلان رئيس الفقراء وهو بركتهم وهو ليس له من الولاية سوى الحظوظ والكذب بالدعوى وغيرها.
نعم أيها المريد إن غبت عن وجودك ، وفنيت عن شهودك ، وتحققت بمعبودك في جمعك وفرقك، وامتحت عنك الصور بشروق الأنوار، وذهبت جميع الأغيار بالتمكن في حضرة الأحباب، ثم قطعت مهامه الجلال حتى عرفت الله في كل حال، وكنت لا يؤثر فيك الذم ولا الثناء، وسواء قدموك أو أخروك أو رفعوك أو وضعوك، فإن كنت هكذا وعلمت من نفسك هذا مع وجود القيام بالأوامر والنواهي، وقدمك شيخك وإخوانك الراسخون في الطريق فتقدم فإن ذلك يزيدك خيراً وأدباً على أدب.