ما صحبك وهو بعيبك عليم غير مولاك الكريم - سيدي أحمد القشاشي

قال سيدي أحمد القشاشي في شرحه على الحكم العطائية: من أكرمك فإنما أكرمك لجميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك ما صحبك إلا من صحبك وهو بعيبك عليم ، وليس ذلك إلا مولاك خير من تصحب من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه.

يرشدك إلى كمال توحيد الله في جميع وأفعال العباد حتى في الحمد والشكر كما هو الواقع. فمن أكرمك ما أكرم إلا الله؛ لأن الله هو الذي تولاك بالفعل المحمود حتى حمدت عليه، فهو المحمود منك حيث جملك بحمده ونشر لسان الحمد عليك من عباده ومنه، فالحمد لله الذي أكرمك لا لمن تتوهم منه الإكرام فتحمده عليه، لأن الستر والإكرام والحمد والحامد والمحمود من كل شيء وعلى كل شيء هو الله. ما تنزل الأمر لا يكون إلا من الله، لأن أمر الله من الله لا من غير الله، ولا لغير الله، وهو الكل حيث هو الله الواحد القهار.

فاذكر الواحد القهار عندك لك في جميع الأطوار وفي کلِّ دار، ظهورًا وبطونًا، وهذه هي المصاحبة الذاتية المشتق عنها المصاحبة الصفاتية المشتق عنها المصاحبة الفعلية؛ لأنك بالمصاحبة الذاتية وجدت بلا افتتاح ولا اختتام، فالإشارة إليك من حيث الحقيقة لكونك بمن أنت به وهو الحق، لا بكونك، فأنت لذاتك لم تكن والله كان ولم يزل، فيشار إليه بك فوجدت الإشارة، فأنت لا تقبل من حيث الحقيقة الإيجاد ولا الإشارة إلا من حيث علم الله بك الذي ظهر به عليك، لعدم افتتاح علم الله بما لم يكن له وفيه، ولعدم زواله ما له منه أو عنه.

وبعد ثبوت وجودك بالله ثبت تخلقك بأخلاق الله وأوصافه، وعن هذه الأوصاف ثبتت لك الأفعال إذ لا ثاني معه، ومن هنا تفهم عدم تثنيتك له ولو بالفرض والتقدير، وإنك في أحديته ومن أحديته بلا طروء ولا زوال، وأنت بما لك لله فلا شريك مع الله، أقر المقرون، أو جحد الجاحدون، فصح أنه كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان.

وهذه هي الصحبة الكريمة التي لا عيب معها، بل قبلت في الحضرة بعيوبك، لا إنها زالت، بل هذا العيب لك هو الحبيب منك لتنزله بسرّ الغيب فيك، وظهوره بك عنك، وليس ذلك الصاحب الذي يصحبك وهو بعيبك عليم إلا مولاك الكريم، فالله هو الصاحب الذي يطلبك بالذات للذات طلباً لا ينتهي ولا يقبل التركيب ولا الحل. فخير من تصحب من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه، وما ثم إلا هو لأن الخير هو الوجود، وهو الحق كله، فليس إلا ما هو الحق في الحق فهو الخير كيف وجدت وكيف نسبت، وهو يطلبك لا لشيء يعود منك إليه لم يكن هو له من قبل ذلك؛ لكونه لا يتصور فلا يكون إلا هو فكن حيث تكون.