قال الشيخ محمد بن قطب الدين الإزنيقي:
الدعاء على مراتب: الأولى الدعاء باللسان على وفق الآداب والشرائط المذكورة في كتب الفقه.
والثانية: الدعاء بالجنان إذا بلغ العبد إلى مقام القلب، فأي شيء يريد ويشتهي في نفسه أو في حق غيره جلب نفعاً أو دفع ضراً يعطيه الله مراده من غير سؤال لساني كما يفعله لأهل الجِنان، قال الله {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون}.
والثالثة: دعاء أهل التسليم والتفويض، فإنهم يعرفون أن كرمه كافٍ، ولطفه وافٍ، وعلمه شامل، وجوده كامل، فيستغنون على السؤال باللسان، وعن الإرادة والطلب بالجنان، ثقة على وكالته، واعتماداً على حفظه وربوبيته.
والرابعة: دعاء أهل الفناء، فإنهم فانون عن التوكل والتفويض، مع السلامة عن رؤية الفناء لأن هذه الرؤية أيضاً من العلل، ومن بقية الآثار، والحال أن تجلي الحق ونوره لم يبق شيئاً من ظلمات الحجب التي هي الأغيار، فيكون السائل هو لسان الاستعداد فقط، وهو تعالى أقرب إليه من حبل الوريد، بل هو أقرب من جود الشيء بالنسبة إلى ذاته منه، فيجيب من يدعوه بلسان الحال والاستعداد، ويعطيه ما تفتضيه ذاته ومقامه ومرتبته وحاله واستعداده. ومثاله: الطفل الجنين الذي في بطن أمه، فإنه فانٍ عن السؤال باللسان والجنان، وهو وتعالى يعطيه بجوده ما يليه باستعداده فافهم.
والخامسة: دعاء أخص الخواص، فإنه تارة في مقام الفناء، وأخرى في مقام البقاء، هو سيار، بل طيار في مضمار "هو الظاهر، هو الباطن"، يوفي كل شيء حقه ومقتضاه، كالأنبياء الأمناء، ونقاوة صفاوة خواص الأولياء.