قال الشيخ محمد بن أحمد البوزيدي في الآداب المرضية:
من أدب المريد: أن لا يرى نفسه فوق أحد من المسلمين فضلاً عن إخوانه الفقراء. قال الله تعالى: {يا أيها الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومْ مَن قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم}، ومن خطر بباله أنه خير من أحد المسلمين فقد اشترك مع إبليس في المقام حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} ولاسيما إن كان يدّعي الخصوصية الكبرى، فالواجب على المدعي ذلك أن يرى الأشياء كلها خيراً منها، فضلاً عن المسلمين، ولا يخرج عن هذه الرؤية لحظة واحدة ، وإن خطر بباله شيء من ذلك فدعواه الخصوصية باطلة. وعند وجود التعرفات يعرف الصادق من الكاذب، كما قيل: "عند تقلبات الأحوال يعرف الرجال من الدجال".
واعلم أن هؤلاء القوم لهم علم بالعظمة، وكل من خطر بباله غير العظمة فهو مسلوب من نور العلم المخصوص بالإحسان مع الجميع لشهود وحدة الذات. ومن أراد شهود العظمة على الدوام فعليه بذل نفسه لله، ولا يسعى إلا في الأسباب الموجبة لحطها وإهانتها وتصغيرها واحتقارها وعجزها وضعفها وفقرها وفاقتها واضطرارها وإنزالها في كل منزل هو لها، ولا يسعى في شيء من حظوظها ظاهراً ولا باطناً، وعند ذلك تنال الروح حظها لأن حظ الروح وحظ النفس لا يجتمعان. ومن أراد الحظوظ كلها فليلزم ما ذكرناه وقد قالوا : "كلما دفنت نفسك أرضاً أرضاً، سما قلبك سماء سماء". وأي حظ أعظم من رفع الحجاب؟
فاصحب يا أخي شيخاً عارفاً ماهراً في رياضة الظاهر والباطن يمدك بمداد المعرفة، فيستنير قلبك بنور الحكمة وتعرف أسباب النور وأسباب الظلمة، وحينئذ اذهب حيث شئت فلا تخف ولا يخاف عليك، والله غالب على أمره. واعلم أن حقيقة الكمال أن تشهد الحق في وجودك وليس لك وجود وأن تنفق الدنيا وما فيها إن وجدتها ولا ترى لك إنفاقاً، وليس من الكمال أن تشاهد الحق أقرب من شهودك أو ترى الحق مع وجودك أو تنفق الدنيا ثم يخطر ذلك على بالك إذ ذاك دليل على بقاء نفسك.