قال سيدي أحمد القشاشي في شرحه على الحكم العطائية:
المستدل به عليه وقع في بحر التوحيد ، فلم يشرك به دليلًا عليه، فسلم من ورطة التعديد، فلم يجد أظهر من الحق، ولا أجلى منه سواء كان ذلك الاستدلال نفسيًّا أو آفاقيًا لما تبين له من نفسه والآفاق أنه الحق، فما عرف الحق إلا بما فيه منه، فلم يستدل عليه إلا به حتما، لأن جميع الدلائل للحق ومن الحق فهو الدليل بأثره ووصفه عليه.
فلهذا قال سيدي ابن عطاء الله السكندري رحمه الله : "المستدل به عرف الحق لأهله"، أي: عرف أن جميع الدلائل لو لم يدل عليها الحق بإظهارها ووجودها لما كانت ولا دلت، فالدليل عليه حينئذ هو لا هي لأنه هو الذي دل عليها بإظهارها، فدل عليه به منها، ولهذا قال: "وأثبت الأمر من وجود أصله" لأن الوجود الأصلي لكل موجود هو وجود الحق الذي به تعينت الأشياء وحفظت بالدوام والاستمرار عن الزوال، فلا يعتريها الزوال بدوامها بالله؛ لأنها لا تقتضي الوجود لذاتها.
والمستدل عليه هو من عدم الوصول إليه، أي إلى الحالة التي أوصل إليها الواجد الموحد الذي يستدل بالحق على الحق، ونسب إليه عدم الوصول لأنه متى حقق هذا الناظر المستدل في المنظور المستدل به على الحق وجد الحق قد سبقه في وجوده، فأوجده بجوده فدل عليه الحق قبل أن يدل هو عليه، فما دلّ عليه إلا هو؛ لأن المدلول به إليه أثره أو وصفه كما مر وأثره ووصفه في ذاته ومن ذاته أبدًا سرمدًا لا في غيره ولا من غيره ولا إلى غيره، فهذا نسبه الشيخ إلى عدم الوصول وإلا فما وجد الواجد وغيره إلا الله دائمًا أبدًا {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} في كل حال مع الكل.
فاستدلال المستدل عليه لا يكون إلا من عدم الوصول إليه ، لأنه لو وصل إليه لما استدل عليه ، ووصوله إليه من حيث دليله عليه، فأين الغير حتى يدل عليه ؟ فما دل عليه غيره بل هو الدليل عليه درى أو لم يدر؛ لأنه بالله وجد فوجد، فلو لم يوجد لم يجد قولاً واحدا فيه وجده وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.