قال سيدي مصطفى البكري الخلوتي في حكمه: العين لا ترى ذاتها بذاتها، وإنما تبصرها بمرآتها
وقال صاحب شجون المسجون:
یا من تخاطبه حقیقة ذاته من ذاته لكنه لا یعلمُ
وھو المخاطب ذاته في غیره فھو المكلم عنه والمتكلمُ
مرآتك الأكوان عنھا صادر ما تستحق فنیر أو مظلمُ
كن كیف شئت فلا سواك معامِل ومعامَل ومعلِّم ومعلََّمُ
أو ما تراك بما تقول محدثاً عنا وأنت مكلِّم ومكلَّمُ
وإلیك عنك یعود ما أبدیته عنا ونحن حقیقة لا تُعلمُ
وقال سيدي ابن سبعين في رسائله: كنزك معك وأنت لا تدري، وأسباب السير ميسرة، وأنت لا تسري. وجودك حجابك، ورؤيتك إياك سرابك، وقوفك مع الأشكال حجبك وتهت حتى لا تدري مطلبك، فلو منك إليك سريت، لشاهدت و رأيت، فكم محجوب بعينه عن رؤية عينه، فمن تخلص من الشبهات، وعمى عن المرئيات، انتقل إلى المعاني الصحيحة، وتكلم باللغة الفصيحة، وانجمع له ما به تفرق، ورأى الحق على ما هو به وتحقق، فالمطلوب أنت لو كشف لك عنك، والسر فيك لو برز لك منك، الحجاب أنت لو أزلته، والنور ظاهر فيك لو شهدته، ما برز عنك إلا بما بطن فيك، ولا بطن فيك إلا بما ظهر عنك. نورك سابق لظلمتك، وتوحيدك مركوز في أصل فطرتك. مقيد أنت بتركيب صورتك، مطلق ببسط روحانيتك، الجمال يحييك ويثبتك، والجلال يعفيك ويمحقك، إن رقيت إلى المعالي فهي لك وأنت لها، وإذا نزلت روحك الحضرة فهو محلها، فقام بها السر الإلهي فشهدت ما كانت به عنه حجبت، واتصلت بما عنه انفصلت، وعادت كما كانت وما برحت، وحصلت على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وسرى سرّ الحياة في العوالم، فباللّه سر فأنت به.
وقال الشيخ عفيف الدين التلمساني في شرحه على تائية ابن الفارض:
وإنما يعرف الرب بمعرفة النفس من جهة كونها أحق بمولاها من غيرها، إذ لا وصول إليه إلا بعد الوصول إليها، فهي سفينة النجاة إذا هي توحدت وتحققت بالصفات، ولا يكون هذا إلا بإحدى صورتين: إما باجتلاب منها فيكون هو عينها، وإما باجتذاب منه فتكون هي عينه، وبيان ذلك مبرهن بالكتاب والسنة، فأما بالكتاب فقوله تعالى: {يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} اجتذاب منه سبحانه وتعالى؛ إذ صارت يد العبد يد الله سبحانه في المبايعة، وأما السنة فقوله: "كنت سمعه وبصره ويده" وهذا اجتلاب من العبد واكتساب إذ تقرب بالنوافل. وكذلك قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلاّٰ مٰا سَعىٰ}.
فإذا كان كذلك فهل يخاف إلا من نفسه؟ وهل يرجو لخير غيره؟ اللهم إلا إذا رجع إلى أحديّة النفس قبل ظهورها في مظاهر الصفات، وقبل الفرق الذي يفرقها بأنواع الابتلاءات، فإذا رجعت عن صفاتها إلى وحدة ذاتها عادت أخيرا كما كانت أولا حين لا فرق فرأى الكون كله صور صفات النفس والنفس لا ترى إلا بصفاتها. فلما توحدت بالأحدية باطناً في عالم الجمع ثم نظر ظاهرا إلى عالم الفرق رأى نفسه بالفرق كما رآها بالجمع، وهذه الرؤية، أعني رؤية أحديّة النفس تعطي أن الرائي والمرئي واحد، ما زال ولا يزال يظهر ويخفى مع اختلاف مظاهره في الظهور.