قال الشيخ محمد المهدي بن القاضي في شرحه على تائية الحراق قدس سره:
قيل في قوله تعالى: "لن تسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبد المؤمن" أي لم تطقني، فيكون هذا القلب المطمئن بذكر الله تعالى قد أطاق تحمل أنوار الأزل، وأسرار القدم بنعت فناء وجوده، واضمحلال حدوثه. ولا نعني بالقلب المضغة اللحمية الصنوبرية الشكل، بل اللطيفة الربانية المودعة في الإنسان الكامل بواسطة: {ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}، فما وقع السجود إلا لها، حيث تلألأ سراجها واستضاء مصباحها في مشكاة هذا الشكل الإنساني، وأعني به صاحب الخلاقة من أهل الشهود والعيان، لا الذين هم كالأنعام من فضلة الإنسان المجبولين على الشهوات والحظوظ كمطلق الحيوان. فما وسع الحق في الحقيقة إلا روحه المنفوخ في هذا الإنسان الكامل، وما أطاقته إلا أوصافه التي أهلها له بواسطة قوله:"كنت له سمعاً وبصراً وفؤاداً".
فمن وسع الحق جل جلاله بقلبه، وأطاق سطوات أنوار تجليه وقربه، وحمل أثقال قدمه وأزله التي عجزت عن حملها المكونات بأسرها، كيف يرضى بصبوة من ضيع عمره في محبة مخلوق مثله، وهام بغرام من هو على هيئته وشكله؟ أم كيف يطمع من تقيد بقيد جمال المخلوقين أن يبلغ مرام من فني في جمال رب العالمين؟ أم كيف يحاول من هو مسجون في قفص المكونات أن يصل إلى مقام من هو مطلق في شهود أنوار الذات والصفات؟ أم كيف يروم من هو مشغوف بعشق العوارض الفانية أن يرقى إلى مرتبة من هو ممحوق بأسرار الأحدية؟
فشتان من فني في عين القدم، ومن فني في غين المحدث؛ أو تقول: شتان من استهلك في لجة الأزل وبين من تاه في هباء الأمثال؛ أو تقول: شتان من ذهب في أنوار الذات الأحدية وبين من تلف في ظلام الأعراض الفاني؛ أو تقول: شتان بين من كحل عينيه بإثمد مشاهدة الحقيقة الأصلية وبين من طمس بصره بغبار الخيالات الوهمية. هيهات هيهات!
قال الإمام الورتجبي [سيدي روزبهان البقلي] في تفسيره: لا يستوي مطموس عين قلبه عن شهود مشاهدة القدم، ورؤية أنوار الأزل، بمن يبصر بصر روحه بنور الحق جمال الحق على نعت السرمدية، بلا غواشي الطبيعة، ومعارضة الخليقة، ولا يستوي ارتفاع ظلمة دخان النفوس في معارك العبودية بسطوع أنوار الأرواح إلى صفائح القدس، بنعت تنفسها في مجالس الأنس. وأيضاً من يبصر بنور الحق غيب الحق، لا يستوي بمكن يبصر رسوم العالم برسوم العلم، ولا يستوى نور وجود العارفين بما يبدو من غيره القهر عن وجود المدعين" انتهى.