شرح الحكمة العطائية الأولى من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الأولى:
«من علامات الاعتماد على العمل، نقصان الرّجاء عند وجود الزّلل» . 
شرح الحكمة: 
إن الاعتماد على الشيء: هو الاستناد عليه و الركون إليه. و قبل الشروع في بيان معنى الحكمة العام لا بد من الإشارة إلى انقسام الأعمال التي يقوم بها المكلّف إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عمل الشريعة و يسمى الإسلام و هو الركن الأول من أركان الدين الكامل المشار إليه في قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً [المائدة:٣].
القسم الثاني: عمل الطريقة أو السلوك و يسمى الإيمان و هو الركن الثاني من أركان الدين الكامل.
القسم الثالث : عمل الحقيقة و يسمى الإحسان، و هو الركن الثالث من أركان الدين الكامل فالشريعة أو الإسلام لإصلاح الظواهر أي الجوارح و يتحقق بامتثال الأوامر الشرعية و اجتناب النواهي. و الطريقة أو الإيمان لإصلاح الضمائر القلب و النفس و يتحقق ذلك بتهذيب النفس و تخليتها من الرذائل و تربيتها و تحليتها بأنواع الفضائل.
و الحقيقة أو الإحسان لإصلاح السرائر أي الأرواح و يتم ذلك بالأدب و التواضع و الانكسار و حسن الخلق.
إن هذه الحكمة «من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل» تحث المسلم على عدم الاعتماد على أعماله الصالحة-سواء كانت من مقام الإسلام أو الإيمان أو الإحسان-بأن يغترّ بها و يركن إليها، بل يجب عليه أن يعلق قلبه باللّه تعالى و برحمته و فضله مصداقا لقوله تعالى: اَلَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) [النّحل:42]فهذه الآية تشير إلى اعتماد العبد و توكله على ربه تعالى لا على عمله، لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» قالوا: و لا أنت يا رسول اللّه؟ قال: «و لا أنا إلا أن يتغمدني اللّه بفضله و رحمته» . ذلك أن عمل الإنسان لا يكون معتبرا إلا إذا كان مقبولا، و قبوله بمحض فضل اللّه تعالى هذا إضافة إلى أن أعمال العبد هي بتوفيق اللّه تعالى و منّه. قال تعالى: وَ اَللّٰهُ خَلَقَكُمْ وَ مٰا تَعْمَلُونَ (96) [الصّافات:96]فاللبيب من لا يعظم رجاؤه إذا ما كثرت أعماله الصالحة، و لا يقنط من رحمة اللّه تعالى و ييأس إذا ما قصّر في الطاعة أو وقع في المعصية.
قال الإمام الشافعي:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة                     فلقد علمت بأن عفوك أعظم 
و قال الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري:
و لا يمنعه ذنب من رجاء فإن اللّه غفار الذنوب 
و قال الإمام البوصيري:
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه           أو يرجع الجار منه غير محترم 
و قال أيضا:
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت          إن الكبائر في الغفران كاللمم 
لعلّ رحمة ربي حين يقسمها                تأتي على حسب العصيان في القسم 
يا رب و اجعل رجائي غير منعكس       لديك و اجعل حسابي غير منخرم 
و لا يظن أحد أن هذه الحكمة تقلل من أهمية الإكثار من الأعمال الصالحة بل هي تحذر الإنسان من الاعتماد عليها و الركون إليها و الغرور بها لكي لا ينقص رجاؤه إذا ما قصر يوما ما فييأس و يقنط من رحمة اللّه تعالى فيصدق في حقه قول اللّه تعالى: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ اَلضّٰالُّونَ [الحجر:56].
فالأعمال الصالحة هي سبب رضي اللّه تعالى و رفع الدرجات في الجنة. فعلى المسلم أن يتمثل قول اللّه تعالى: اَلَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) [النّحل:
42]و يتمثل قول اللّه تعالى: لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزّمر:۵٣].