شرح الحكمة العطائية الثالثة عشرة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الثالثة عشرة: 
«من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات، و ترك النّدم على ما فعلت من وجود الزّلاّت» .
شرح الحكمة:
إن مدار هذه الحكمة على قلب الإنسان و هي تتحدث عن بعض علامات موته. و المقصود بالقلب هنا اللطيفة النورانية الموجودة في الإنسان و ليس المقصود القلب الصنوبري المادي الذي يضخ الدم في جسد الإنسان مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب» . فهذا القلب، هو الذي يولد الطاقة الإيمانية في الإنسان بشرط أن يكون حيا و صالحا. و يتحقق ذلك بأمور منها: ذكر اللّه تعالى، و الزهد في الدنيا، و اشتغال الجوارح بطاعة اللّه تعالى، و صحبة العلماء باللّه تعالى و بشرعه، و هذا القلب ينطبق في حقه قوله تعالى: إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ إِذٰا ذُكِرَ اَللّٰهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذٰا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيٰاتُهُ زٰادَتْهُمْ إِيمٰاناً وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) [الأنفال:٢].
و سبب موت القلب أمور منها: الغفلة عن ذكر اللّه مصداقا لقوله تعالى: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ(124) [طه:124] و منها: استعمال الجوارح في معصية اللّه تعالى مصداقا لقول اللّه تعالى: كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ مٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (14) [المطفّفين:14]و قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اَللّٰهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ لاٰ تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ قٰالُوا إِنَّمٰا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلاٰ إِنَّهُمْ هُمُ اَلْمُفْسِدُونَ وَ لٰكِنْ لاٰ يَشْعُرُونَ (١٢) [البقرة:
الآيات ١٠-١٢]و منها: حب الدنيا، قال تعالى: وَ لاٰ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ(١٣١) [طه:131]و منها: الجهل بالدين، قال تعالى: فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التّوبة:١٢٢].
و ذكر العلماء علامات يعرف بها موت القلب، منها: عدم حزنه على ما فاته من الطاعات، فلا يحزن إذا ما قصر في واجباته الدينية، و لا يكترث لذلك، لأنه منصرف عن رضا مولاه بالدنيا، مستغرق في جمع حطامها ظنا منه أنه مخلّد فيها، و نسي أنها دار عبور و فناء و ليست دار استقرار و خلود. و منها: عدم الندم و الحزن و المسارعة إلى التوبة إذا ما صدر منه معصية للّه تعالى، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة؟ فهو غافل عن سخط اللّه تعالى و غضبه.
أما القلب الحي فإنه يفرح بصدور الطاعة منه، لأنها دليل على رضا اللّه تعالى عنه فيفرح بها، و كذلك يحزن مسرعا تائبا إلى اللّه تعالى إذا ما فعل سيئة، لأنه يعرف أن ذلك مما يغضب اللّه تعالى، مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن» .