شرح الحكمة العطائية الثامنة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الثامنة: 
«لا تستغرب وقوع الأكدار، ما دمت في هذه الدّار، فإنّها ما أبرزت إلاّ ما هو مستحقّ وصفها و واجب نعتها» .
شرح الحكمة:
إن هذه الحكمة تنبه المسلم على عدم استغرابه وقوع البلايا و المصائب به ما دام في هذه الحياة الدنيا. قال تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ اَلْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:٣۵]. قال الإمام البغوي في تفسيره شارحا هذه الآية: «الشر و الخير هما الشدة و الرخاء، و الصحة و السقم، و الغنى و الفقر» . و قال تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ اَلْمَوْتَ وَ اَلْحَيٰاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْغَفُورُ (٢) [الملك:2].
إن صدور الأكدار التي تؤلم النفس و تكدرها من الدنيا شيء طبيعي، لأنه وصف تستحقه الدنيا و يجب أن توصف به.
و مما قيل في ذلك: «أيها الناس: إن هذه الدار دار تواء (هلاك) ، لا دار استواء، و منزل ترح (حزن) لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخائها و لم يحزن لشقائها، ألا و إن اللّه خلق الدنيا دار بلوى، و الآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، و ثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي، و يبتلي ليجزي، و إنها لسريعة التوى و شيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، و اهجروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها، و لا تسعوا في عمران دار قد قضى اللّه خرابها، و لا تواصلوها و قد أراد اللّه منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه متعرضين و لعقوبته مستحقين» .
قال الإمام جعفر الصادق رضي اللّه تعالى عنه: «من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه و لم يرزق، فقيل له: و ما ذاك؟ قال: الراحة في الدنيا» و في هذا المعنى قال الشاعر:
تطلب الراحة في دار العناء خاب من يطلب شيئا لا يكون 
و قال أحد الصالحين: «ملتمس السلامة في دار المتالف و المعاطب كالمتمرغ على مزاحف الحيّات و مداب العقارب» .
فلا تتعجب أيها الإنسان من نزول الأكدار الدنيوية بك، فهذا هو شأن الدنيا.
قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: «الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر» .
فعليك أن تهيىء نفسك على توقع استقبال المحن، و تستعين على دفع ذلك بالصبر و الرضا عند وقوع القضاء. قال اللّه تعالى: إِنَّمٰا يُوَفَّى اَلصّٰابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ [الزّمر:١٠]و قال تعالى: وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاٰةِ [البقرة:45]و ورد شعرا:
و إذا تصبك مصيبة فاصبر لها عظمت مصيبة مبتلى لا يصبر