شرح الحكمة العطائية الثانية عشرة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الثانية عشرة: 
«لا تصحب من لا ينهضك حاله، و لا يدلّك على اللّه مقاله» .
شرح الحكمة:
 إن الإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالآخرين المحيطين به و يتأثرون به، لذلك كان لزاما على المسلم أن يتخير أصحابه، لأن الصاحب ساحب و المرء على دين خليله، فعليه أن ينظر من يصاحب، قال محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم» . فهذه الحكمة تنصحنا بصحبة من يرفعنا حاله و يدلنا على اللّه مقاله. و هذا الصاحب الذي ينهضك حاله هو الإنسان المسلم بجوارحه و نفسه، المؤمن بعقله و قلبه، المحسن بروحه و سره، ربّى جوارحه و نفسه على امتثال أوامر اللّه تعالى و اجتناب نواهيه لا يقدم على عمل حتى يعلم حكم اللّه تعالى فيه، و ربّى عقله على العقيدة الصحيحة من حيث الإيمان بوحدانية اللّه تعالى في ذاته و صفاته و أفعاله و أحكامه و بأن اللّه تعالى متصف بكل كمال و منزّه عن كل نقص، أخذا من قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ [الشّورى:١١]. و ربّى قلبه على مكارم الأخلاق فتخلّق بأخلاق النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم القائل:
«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» . و ربّى روحه و سره على الاعتماد و التوكل على اللّه تعالى و الثقة به في كل شؤونه، فهو دائم المراقبة و الذكر له تعالى.
قال تعالى: وَ اِصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰاةِ وَ اَلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لاٰ تَعْدُ عَيْنٰاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَ لاٰ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَ اِتَّبَعَ هَوٰاهُ وَ كٰانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) [الكهف:٢٨].
فعليك أيها المسلم بصحبة من كان هذا حاله، فإذا جالسته دلّك على اللّه تعالى مقاله و نقلك من الغفلة إلى الذكر و الحضور و اليقظة مع اللّه تعالى، و نقلك من الطمع و التعلق بالدنيا إلى الزهد فيها و في كل ما سوى اللّه تعالى، و نقلك من المعصية إلى التوبة و الرجوع إلى رحمة اللّه تعالى و مغفرته، و نقلك من الجهل بالدين إلى العلم و التفقه به.
و لا تصحب أخي المسلم من كان حاله بخلاف ما ذكرنا، قال أحد العارفين باللّه تعالى: «خمسة لا تصح صحبتهم: الجاهل بالدين، و الذي يسقط حرمة المسلمين، و الذي يخوض فيما لا يعنيه، و الذي يتبع الهوى في كل شيء فهو صاحب بدعة، و سيء الخلق» و قال سهل بن عبد اللّه التستري: «احذر صحبة ثلاثة أصناف: الجبابرة الغافلين، و القراء المداهنين، و المتصوفة الجاهلين» ، و لبعض الحكماء: «لا تؤاخ من الناس من يتغير عليك في أربع: عند غضبه و رضاه و عند طمعه و هواه» . و نسب لسيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه و كرّم وجهه قوله:
«شر الأصدقاء من أحوجك إلى المداراة و ألجأك إلى الاعتذار» . و قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه اللّه تعالى: «أوصاني خليلي فقال: «لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب اللّه، و لا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية اللّه، و لا تصحب إلا من تستعين به على طاعة اللّه، و لا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينا باللّه تعالى، و قليل ما هم» . فلا تصحب أخي المسلم من لا ينهضك حاله و لا يدلك على اللّه مقاله.