شرح الحكمة العطائية الثانية والعشرين من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الثانية و العشرون:
«الصّلاة طهرة للقلوب من أدناس الذّنوب، و استفتاح لباب الغيوب» .
شرح الحكمة: 
إن الصلاة هي من أفضل الأعمال التي تهذب النفس و تطهر القلب و تنور العقل و ترقي الروح، و لأهميتها هذه قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«إن بين الرجل و بين الشرك و الكفر ترك الصلاة» 2 و قال أيضا:
«رأس الأمر و عاموده الصلاة و ذروة سنامه الجهاد» 3.
فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام: قال اللّه تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُوا اَلزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ اَلْقَيِّمَةِ (5) [البيّنة:5]و قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحق الإسلام، و حسابهم على اللّه» (متفق عليه) .
إن إقامة الصلاة تعود على المسلم بفوائد كثيرة منها: الانتهاء عن الفحشاء و المنكر بدليل قوله تعالى: إِنَّ اَلصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]. و إذا انتهت النفس عن الفحشاء و المنكر تطهر القلب و تنور و استعد لتلقي الواردات الإلهية و العلوم الربانية، و هذا ما أشار إليه في آخر الحكمة بقوله:
«و استفتاح لباب الغيوب» قال الحكيم الترمذي: «دعا اللّه الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم، و هيأ لهم فيها أنواع الضيافة لينال العبد من كل قول و فعل شيئا من عطاياه تعالى، فالأفعال كالأطعمة و الأقوال كالأشربة، و هي عرش الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتى لا يبقى عليهم دنس من الأغيار (المخلوقات) . 78
و منها: تكفير الذنوب قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«أ رأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو اللّه بهن الخطايا» (متفق عليه) و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«الصلوات الخمس و الجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهم ما لم تغش الكبائر» (رواه مسلم) .
و منها: رفع الدرجات في الجنة مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد سجدة إلا رفعك اللّه بها درجة، و حط عنك بها خطيئة» (رواه مسلم) .
و منها: مرافقة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في الجنة، بدليل ما
رواه مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم-و كان من أهل الصفة-قال: كنت أبيت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فآتيه بوضوئه و حاجته، فقال: «سلني» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السجود» .
فالصلاة طهرة للنفوس من أدناس الذنوب و استفتاح لباب الغيوب، لأنها تطهر ظاهر الإنسان بالطهارات الحسية و تطهر قلبه بالطهارة المعنوية، فترتفع عن العبد الحجب الظلمانية بما تجده روحه من الأنوار الإلهية، فترى ما كان غائبا عنها من المعارف و الأسرار الربانية، قال اللّه تعالى: وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]و قوله تعالى: آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً [الكهف:65].