شرح الحكمة العطائية الحادية عشرة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الحادية عشرة: 
«اخرج من أوصاف بشريّتك، عن كلّ وصف مناقض لعبوديّتك، لتكون لنداء الحقّ مجيبا، و من حضرته قريبا» .
شرح الحكمة
نمهد لشرح هذه الحكمة بالقول: إن الإنسان مركب من قوى مادية و من قوى روحية، لذلك كانت احتياجاته و متطلباته كثيرة و متنوعة. منها ما هوحسي حيواني كشهوتي البطن و الفرج، و منها ما هو ملكوتي نفسي كالصفات القلبية المتضادة: الكبر و التواضع، و الحسد و سلامة الصدر، و الغلظة و اللين، و حب الغنى و الأغنياء و كراهة الفقر و الفقراء و غير ذلك. و منها ما هو روحي جبروتي كمراقبة الإنسان المسلم للّه تعالى و شعوره أنه في حضرته من حيث أنه سبحانه و تعالى شاهده و ناظره و مطلع عليه.
إن الشريعة الإسلامية لم تترك الإنسان يسير على غير هدى باحثا عن هذه الاحتياجات، بل جاءت بما يشبع هذه القوى المادية و الروحية على السواء، فشرعت أركان الدين الإسلامي الثلاثة: الإسلام و الإيمان و الإحسان.
إن الإسلام يتضمن أحكام ظاهر الإنسان بما في ذلك من ماديات، و الإيمان يتضمن أحكام باطن الإنسان القلبي بما في ذلك من ملكوت، و الإحسان يتضمن أحكام باطن الإنسان الروحي بما في ذلك من جبروت.
و الإنسان المسلم إذا التزم الدين الإسلامي بأركانه الثلاثة سالفة الذكر الإسلام و الإيمان و الإحسان، يكون بذلك خارجا عن أوصاف بشريته المناقضة لعبوديته للّه تعالى، و يكون لنداء الحق مجيبا و من حضرته قريبا، و تفصيل شرح ذلك أن نقول:
إن الإنسان مطالب بأن يكون عبدا خالصا للّه تعالى، بأن يمتثل أوامره و يجتنب نواهيه، و النفس و الشيطان و شهوات الدنيا يعملون على منع الإنسان من الخضوع للّه تعالى، فيجعلونه يتخلّق بالأوصاف البشرية المناقضة لعبوديته للّه تعالى. فبالنسبة لظاهره و جوارحه، يرتكب المخالفات الشرعية لجهله بفقه الحلال و الحرام، فلا يطيع اللّه تعالى بل يعصيه، فلا يؤدي الفرائض من صلاة و زكاة و صيام و حج، و يشبع شهوتي بطنه و فرجه من الحرام. و بذلك يكون مخالفا لأوصاف عبوديته المتعلقة بمقام الإسلام.
و بالنسبة لنفسه و قلبه يتركهما دون تربية فيتخلّق بالأوصاف الذميمة و هي أخلاق الشياطين كالكبر و الحسد و الحقد و الغضب و البطر و الغلظة و البخل و الشح و الرياء و العجب و الكذب و غير ذلك من أوصاف مناقضة لعبوديته في مقام الإيمان.
و بالنسبة لروحه يترك الإخلاص و الصبر و التوكل و التواضع و الزهد و الحياء و القناعة، و صدق التوجه إلى اللّه تعالى و الاعتماد عليه، و يترك الخشوع و مراقبة اللّه سبحانه و تعالى في السر و العلن، و غير ذلك من صفات مناقضة لعبوديته في مقام الإحسان، و هو مقام: أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. 
أيها الإنسان المسلم إذا أردت أن تخرج من أوصاف بشريتك المناقضة لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيبا و من حضرته قريبا، عليك أن تتفقه في الدين فتؤدي الفرائض و تجتنب النواهي و تأخذ من الدنيا و شهواتها قدر ما سمح لك الحق تعالى بأخذه من الحلال.
و أن تزكي نفسك و تطهرها من الرذائل و تحلي قلبك بمكارم الأخلاق المحمدية التي بعث بها إلينا، و أن تستغني باللّه تعالى عن كل ما سواه و تعلم بأن اللّه تعالى يراك في كل أحوالك و شؤونك فتراقبه على الدوام لتشعر بقربه تعالى منك فتأنس و تطمئن به تعالى.
فنسأل اللّه تعالى أن يجعلنا لندائه مجيبين و من حضرته قريبين.