شرح الحكمة العطائية الرابعة عشرة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الرابعة عشرة: 
«ما بسقت أغصان ذلّ إلاّ على بذر طمع» .
شرح الحكمة:
 بسقت أي: طالت و بسقت النخلة إذا طالت، قال تعالى:
وَ اَلنَّخْلَ بٰاسِقٰاتٍ [ق:١٠]أي طويلات. و الأغصان: معروفة و هي جمع غصن، و هي ما تشعب عن جذع الشجرة. و البذر: هو الحب الذي يزرع في الأرض.
و الطمع: هو ميل النفس إلى الشيء و تعلقها به و حرصها عليه.
و قالوا في معنى الطمع أيضا: هو تعلق القلب بما في أيدي الخلق و تشوفه إلى غير مولاه سبحانه و تعالى.
فيكون معنى الحكمة لا تغرس بذر الطمع في قلبك فتخرج منه شجرة الذل و تتشعب أغصانها.
و الطمع من أعظم آفات النفس لأنه أصل الذل للخلق و هو ينافي العزة المشار إليها بقوله تعالى: وَ لِلّٰهِ اَلْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:٨]فهو ينافي حقيقة الإيمان و يقدح في العبودية للّه تعالى، لأنه يصرف الهمة عن التعلق باللّه و الثقة به و الاعتماد و التوكل عليه تعالى إلى التذلل إلى الخلق و اعتقاد أنهم ينفعونه و أن الخير و اصل إليه منهم و في ذلك ذله من عدة وجوه، منها: شكه في قدرة اللّه تعالى المتعلقة في المقدور، و منها: تملقه للمطموع فيه، و منها: استشعاره الخيبة و المهانة عند الطلب، و منها: بذله ماء وجهه عند مواجهة المطلوب منه. و في ذلك من المذلة ما لا يخفى.
قال أحد العلماء باللّه تعالى: «أيها الرجل ما قدر لما ضغيك أن يمضغاه فلا بد أن يمضغاه، و يحك فكله بعز و لا تأكله بذل» .
و قال الشيخ أبو الحسن الوراق رحمه اللّه تعالى: «من أشعر في نفسه محبة شيء من الدنيا فقد قتلها بسيف الطمع، و من طمع في شيء ذلّ له، و بذلّه هلاكه» . و قال الشيخ ابن عطاء اللّه في كتابه التنوير في إسقاط التدبير: «و تفقد وجود الورع من نفسك أكثر مما تتفقد ما سواه، و تطهر من الطمع في الخلق، فلو تطهر الطامع فيهم بسبعة أبحر ما طهره إلا اليأس منهم و رفع الهمة عنهم» . ۶۶
و قدم سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه و كرّم وجهه إلى مدينة البصرة في العراق فدخل جامعها، فوجد القصّاص يقصّون فأقامهم-أي طردهم من المسجد-حتى جاء إلى الحسن البصري رضي اللّه عنه، فقال له: يا فتى إني سائلك عن أمر فإن أجبتني عنه أبقيتك-أي في التدريس-و إلا أقمتك كما أقمت أصحابك-و كان قد رأى عليه سمتا و هديا-فقال الحسن البصري: سل ما شئت، قال: ما ملاك الدين-أي أصله و قوامه؟ قال: -أي الحسن البصري: ملاك الدين الورع. قال-أي سيدنا علي-: فما فساد الدين؟ قال: الطمع. قال: -أي سيدنا علي-: اجلس فمثلك من يتكلم على الناس» .
فعليك أخي المسلم بعدم الطمع لأنه أصل الذل، و رحم اللّه تعالى القائل:
ترك المطامع للفتى شرف له حتى إذا طمع الفتى ذلّ الشرف 
و قال آخر:
اضرع إلى اللّه لا تضرع إلى الناس و اقنع بعز فإن العز في الياس 
و استغن عن كل ذي قرب و ذي رحم إن الغني من استغنى عن الناس 
و في المثل المشهور: الطمع ضر و ما نفع، و ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع.