شرح الحكمة العطائية السابعة والعشرين من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة السابعة و العشرون: 
«من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبّر حقّا، إذ ليس التّواضع إلاّ عن رفعة، فمتى أثبتّ لنفسك رفعة فأنت المتكبّر حقّا» .
شرح الحكمة:
 إن هذه الحكمة تشير إلى صفتين الأولى محمودة و هي التواضع، و الثانية مذمومة و هي الكبر، و إن التواضع فضيلة في النفس ناشئة عن أمرين الأول:
معرفة الإنسان المسلم بصفات نفسه الحقيقية من الضعف و العجز و الجهل و الذل و الافتقار الدائم للّه تعالى، و علمه بأن كل ما فيه من محامد إنما هو من فضل اللّه تعالى عليه، و رحمته به أن أجرى الخير على يديه. و الأمر الثاني: مراقبة الإنسان المؤمن لعظمة اللّه تعالى و كبريائه، و أنه القاهر فوق عباده مما سيولد في قلبه الخشية و الهيبة و الرهبة من اللّه تعالى، فلا يرى لنفسه رفعة على أحد من خلق اللّه تعالى، قال سيدنا موسى عليه السلام فيما أوحاه اللّه تعالى إليه: «إنّما أقبل عمل من تواضع لعظمتي و لم يتكبر على خلقي، و ألزم قلبه خوفي، و قطع النهار بذكري» . و قد حثنا اللّه تعالى على التواضع و أمرنا به بقوله تعالى: وَ اِخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ (215) [الشّعراء:215]و في الحديث القدسي: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«إن اللّه أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغي أحد على أحد» (رواه مسلم) . 
و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«ما نقصت صدقة من مال و ما زاد اللّه عبدا بعفو إلا عزا، و ما تواضع أحد للّه إلا رفعه اللّه» (رواه مسلم) .
إن الإنسان لا يستطيع التحقق بصفة التواضع إلا إذا تخلصت نفسه من داء الكبر الذي يعتبر من أفظع المهلكات و أردئها، قال اللّه تعالى: كَذٰلِكَ يَطْبَعُ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّٰارٍ [غافر:35]و قال تعالى: وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم:
15].
إن الكبر صفة مذمومة شرعا و عقلا تقود صاحبها إلى غضب اللّه و مقته مصداقا لقوله تعالى: كَذٰلِكَ يَطْبَعُ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّٰارٍ [غافر:35]و قوله تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ [غافر:60]و قوله تعالى: وَ لاٰ تَمْشِ فِي اَلْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتٰالٍ فَخُورٍ [لقمان:18].
و مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و سلم:
«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر» (رواه مسلم) . و قوله صلى اللّه عليه و سلم فيما يرويه عن ربه تعالى:
«العزّ إزاري، و الكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته» (رواه مسلم) و
روى الشيخان عن حارثة بن وهب رضي اللّه عنه قال: ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلّ جوّاظ مستكبر» ، و العتل: الغليظ الجافي. و الجوّاظ: الضخم المختال في مشيته. فعليك أخي المسلم بالعمل على الاستشفاء من مرض الكبر لتتحلى نفسك بصفة التواضع.
و أعود الآن إلى معنى الحكمة فأقول: إن المقصود من الحكمة التحذير من التكبر الناتج عن ادعاء الإنسان المسلم التواضع لنفسه لأنه إذا فعل ذلك يكون متكبرا و علل ذلك بقوله: «إذ ليس التواضع إلا عن رفعة» أي يرى لنفسه مزية على غيره إلا أنه تنازل عنها تواضعا فهو عين التكبر، قال الشيخ أبو يزيد البسطامي رحمه اللّه تعالى:
«ما دام العبد ينظر أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر» . فعليك أخي المسلم بالعمل على الاستشفاء من مرض الكبر لتتخلق بصفة التواضع.