بحث متقدم
الخميس 19/5/1446 هـ - الموافق 21/11/2024 م
القائمة
الصفحة الرئيسية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
أخبار الطريقة الشاذلية الدرقاوية
جديد كلام العارفين بالله تعالى والمحققين الوارثين
الحقائق الإلهية في أشعار السادة الصوفية
مشايخ الطريقة
الأوراد
ورد الطريقة العام
أوراد الطريقة الخاصة
المكتبة
كتب تصوف بتحقيق الشيخ الدكتور عاصم الكيالي
مقالات صوفية
المكتبة المرئية
المكتبة المسموعة
مجموعة مخطوطات
كتب تصوف أخرى
تسجيل العضوية
للتواصل والاستفسار
شرح الحكمة العطائية السادسة والعشرين من كتاب اللطائف الإلهية
الحكمة السادسة والعشرون:
"خير العلم ما كانت الخشية معه. العلم إذا قارنته الخشية فلك وإلا فعليك".
شرح الحكمة:
إن أشرف العلوم أشرفها معلوم، وأشرف معلوم هو ذات الله تعالى وصفاته وأسماؤه، فالعلوم الشرعية من أعظم العلوم لأنها تدلنا على
اللّه تعالى و تقربنا منه، و كذلك العلوم الكونية التي تحقق نفس الغاية و الهدف. إلا أن هذه العلوم لا ينتفع بها الإنسان إلا إذا لازمها الخشية من اللّه تعالى، لأن الخشية مهابة يصحبها تعظيم، أو خوف يصحبه إجلال، يدفعان صاحبها للعمل بما علم، و إذا عمل بما علم أورثه اللّه تعالى علم ما لم يعلم، و قد امتدح اللّه تعالى العلماء العاملين الذين يخشونه بقوله: إِنَّمٰا يَخْشَى اَللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ اَلْعُلَمٰاءُ [فاطر:28].
و تحدّث الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه «لطائف المنن» عن العلم الذي تصحبه خشية قائلا: «فشاهد العلم الذي هو مطلوب اللّه تعالى وجود الخشية للّه، و شاهد الخشية موافقة الأمر» ، ثم تحدّث عن العلم بدون خشية فقال: «أما علم تكون معه الرغبة في الدنيا، و التملق لأربابها، و صرف الهمة لاكتسابها، و الجمع و الإدخار و الاستكثار، فما أبعد من هذا العلم علمه، من أين يكون من ورثة الأنبياء؟ و هل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي يكون بها عند الموروث عنه؟» .
يشير الشيخ الشعراني في الفقرة الأخيرة إلى قول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر» .
و لا شك أن علم الأنبياء تصحبه الخشية، فيشترط في العالم الوارث أن يحافظ على الصفة التي كان بها هذا العلم عند الأنبياء الموروث عنهم، لكي ينتفع به و ينفع به الآخرين، و يحصل ثمرته من معرفة اللّه تعالى و قربه و رضاه، و دخول جنته يوم القيامة، و النظر إلى وجهه الكريم.
إن العلم النافع الذي صحبته الخشية من اللّه تعالى له علامات يعرف بها، منها: ما ورد في جواب الإمام الجنيد رحمه اللّه تعالى عندما سأله أحد تلامذته عن هذا العلم قائلا: «و العلم النافع: ما يدل صاحبه على التواضع، و دوام المجاهدة، و رعاية السر، و مراقبة الظاهر، و الخوف من اللّه، و الإعراض عن الدنيا و عن طالبيها، و التقلل منها، و مجانبة أربابها، و ترك ما فيها على من فيها من أهلها، و النصيحة للخلق، و حسن الخلق معهم، و مجالسة الفقراء و تعظيم أولياء اللّه تعالى و الإقبال على ما يعنيه» .
و أما العلم الذي لم تقارنه الخشية من اللّه تعالى، فهو وبال على صاحبه، و فيه هلاكه لما سيجره عليه من ضر و إثم و عقاب، فهو حجة عليه لا له يوم القيامة، مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«الصدقة برهان، و الصبر ضياء، و القرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه أو موبقها» (رواه مسلم) و قد استعاذ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من هذا العلم الذي لم تقارنه الخشية بقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع» (رواه ابن حبان) . 85
و قال سفيان الثوري رضي اللّه عنه: «إنما يتعلم العلم ليتقى به اللّه تعالى، و إنما فضل العلم على غيره لأنه يتقى اللّه به» . و قال صلى اللّه عليه و سلم:
«من تعلّم علما مما يبتغى به وجه اللّه تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة (أي رائحتها) يوم القيامة» .
فعليك أيها المسلم بالعلم النافع المقرون بالخشية من اللّه تعالى لتجد نوره في قلبك فتزداد معرفتك بربك عزّ و جل، و ذلك لأن الخشية توصل إلى التقوى، و هو يوصل إلى العلم اللدني الوهبي المشار إليه بقوله تعالى: آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً [الكهف:65]، مصدقا لقوله تعالى: وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، فهذا العلم هو المقصود من قول اللّه تعالى مخاطبا نبيه صلى اللّه عليه و سلم: وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].