مقدمة كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، الواحد الأحد، في ذاته و صفاته و أفعاله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ [الشّورى:١١]خلق الأكوان من العدم على غير مثال سبق و ما زال يمدها بالوجود و يمسكها عن الزوال مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ اَللّٰهَ يُمْسِكُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ أَنْ تَزُولاٰ [فاطر:41].
و الحمد للّه رب العالمين أمرنا بالتخلّق بأخلاقه تعالى بقوله: وَ لٰكِنْ كُونُوا رَبّٰانِيِّينَ بِمٰا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ اَلْكِتٰابَ [آل عمران:٧٩].
و الصلاة و السلام على سيد ولد آدم، النبي الخاتم، و الإنسان الكامل، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، ليعلّمهم مكارم الأخلاق مصداقا لقوله صلى اللّه عليه و سلم:
«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» .
و بعد فهذا شرح لثلاثين حكمة في تربية النفس و تزكيتها من الأوصاف السيئة و تحليتها بالأخلاق الفاضلة لتتهيأ لسلوك طريق الآخرة، بسيرها على الصراط المستقيم وصولا إلى معرفة اللّه تعالى التي هي غاية خلق الخلق.
و هذه الحكم اخترتها من حكم الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري إمام عصره في علمي الشريعة و الحقيقة قال عنه الإمام الذهبي: «كانت له جلالة عظيمة، و وقع في النفوس، و مشاركة في الفضائل و كان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروّح النفوس» (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 6/٢٠) .
و قال عنه الشيخ ابن الأهدل: «الشيخ العارف باللّه شيخ الطريقين (الشريعة و الحقيقة) و إمام الفريقين (الفقهاء و الصوفية) كان فقيها عالما ينكر على الصوفية، ثم جذبته العناية (الإلهية) فصحب شيخ الشيوخ أبا العباس المرسي، و فتح عليه على يديه و له عدة تصانيف، منها الحكم و كلها مشتملة على أسرار و معارف و حكم و لطائف، نثرا و نظما من طالع كتبه عرف فضله» . (المرجع السابق) . 
و أما الحكم فيقول عنها الشيخ ابن عباد النفري في مقدمة كتابه غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية: «أما بعد فإنا لما رأينا كتاب الحكم المنسوب إلى الشيخ الإمام المحقق العارف ابن عطاء اللّه السكندري من أفضل ما صنف في علم التوحيد و أجل ما اعتمده بالتفهم و التحفظ كل سالك و مريد، لكونه صغير الجرم، عظيم العلم، ذا عبارات رائعة و معان حسنة فائقة، قصد فيها إلى إيضاح طريق العارفين و الموحّدين و إبانة مناهج السالكين و المتجرّدين، أخذنا في وضع تنبيه يكون كالشرح لبعض معانيه الظاهرة» .
هذا و قبل أن أبدأ في شرح الحكم مهّدت ببحث عن التصوف الإسلامي ثم تكلمت عن وجوب معرفة اللّه تعالى على كل مكلّف و بينت أنها أول واجب عليه تعلّمه.
ثم تكلمت عن أقسام الدين الإسلامي الكامل: الإسلام و الإيمان و الإحسان، و بيّنت تعلق علم الفقه بالإسلام، و علم العقيدة بالإيمان، و علم التصوف بالإحسان.
ثم تكلمت عن المعوقات التي تحول بين العبد و ربه، و تمنعه من سلوك الطريق المستقيم طريق الآخرة التي أمرنا اللّه تعالى باتباعها لنصل إلى السعادة الأبدية.
و أخيرا و إتماما للفائدة ألحق بالكتاب النص الكامل للحكم العطائية الكبرى و الصغرى مرقّمة و مضبوطة بالشكل الكامل، إضافة إلى مناجاته الإلهية و مختارات من مكاتباته لبعض مريديه، كما وضعت فهرسا بشرح مصطلحات الصوفية عند ابن عطاء اللّه رحمه اللّه تعالى و نفعنا و إياكم بعلومه و أسراره.
و أسأل اللّه تعالى أن يجعل ما أجراه على خاطري و خطه بناني خالصا لوجهه الكريم و أن يجعله حجة لي و ينفعني به و المسلمين و يزيدني علما و تحققا بأسمائه و صفاته و تجردا عن كل ما سواه تعالى إنه نعم المولى و نعم النصير.
و الحمد للّه رب العالمين.
و كتبه العبد الفقير إلى اللّه تعالى 
عاصم إبراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرقاوي