قال سيدي علوان الحموي في شرحه على تائية سيدي ابن الفارض عند قوله:
فجاهذ تشاهد فيك من وراء ما وصفت سكوناً عن وجود سکينة
يعني: جاهد تشاهد وتعاين فيك منك، لا من غيرك، وراء ما وصفت، يعني: فوق ما وصفت، سكوناً فيك من صادراً عن وجود سكينة من التجلي الجمعي الذاتي، تنزلت في قلبك كما قال تعالى: {وهو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم}.
والمعنى: أن المجاهدة تثمر المشاهدة وتكسب المعاينة بحيث يرى الإنسان بالحق الحق وحده ظاهراً، متجليا بأسمائه وصفاته في جميع مكوناته، ثم تارة يفني به عنها وعن نفسه، وهو الجمع الناشئ عن الفرق الأول، وتارة يبقى به بعد فنائه، وفناؤه عن فنائه، فيشاهد الأول هو الآخر، والباطن هو الظاهر، وبالعكس كما قال ابن أبي الوفا - نفع الله به:
من شاهد الباطن ظاهر رأى الحبيب أول آخر
وصار جمیع شيء ناظر إلى الحبيب ملء الآفاق
ثم قال:
ما فاز بذا السر العلمي إلا رجل مسمى
خرج عن الكون الوهمي وحل في سفح الإطلاق
وإلى هذا الإطلاق والسر أشار الناظم بقوله:
فمن بعد ما جاهدت شاهدت مشهدي وهادي لي إياي بل بي قدرتي
أشار إلى أن العلم اللدني مخزون في القلب، مکنون في السر، لا مانع من رؤيته ولا حاجب عنه إلا الخبث المتراكم على مرآة القلب المكتسب من متابعة هوى النفس؛ فإذا صحت المجاهدة وخلصت المكابدة تجلى الحق ولم يزل متجليا على هذا القلب، فتلوح فيه حقائق العلوم اللدنية المستمدة من عين اليقين وحقه، فيرى الأشياء على ما هي عليه في الحضرة العلمية على أصلها العدمي، والوجود باق على وصفه الوجودي، وإليه كان يشير شيخنا السيد الشريف أبو الحسن المغربي الحسني - تغمده الله برحمته - بقوله: "کنزك تحت جدارك وأنت تطلبه من عند جارك. قيل: یا طالب العلم ، هاهنا وهنا ومعدن العلم بين جنبيك. فما أنت یا سالك طالب دائر إلا عليك، ولا قاصد إلا أنت، ولا محب سواك لو ألقيت السمع وأنت شهيد ، أرأيت الحق عيانا يخاطبك بقوله:
{لقد كنت في غفلة ممن هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}
فإذا اضمحلت الأكوان، وبرز الديان، كان آنجلاؤه به عليه له كما قيل:
قد كنت دهراً قبل أن یکشف الغطا أخال بأني ذاكر لك شاکر
فلما أضاء الليل أصبحت شاهداً بأنك مذكور وذكر وذاکر