هو الظاهر والباطن - سيدي محمود الداموني

قال سيدي محمود الداموني في شرحه لحكم الشيخ الأكبر، عند قوله : الحق تعالى من حيث ذاته عن جميع خلقه محجوب، وبصفاته يتجلى في القلوب

الحق تعالى من حيث ذاته له العلو الذاتي بذاته عن جميع خلقه، فهو محجوب عن مسمى السوى، وهو بصفاته القديمة الأزلية يتجلّى في القلوب لأن الذات المجردة عن سائر الأسماء والصفات لا ترى لأحد من سائر المخلوقات، بل لا وجود لأحد من سائر الموجودات إلا بما تعلق به من الأسماء والصفات، فعلى هذا الحق جل جلاله وعم نواله معلوم من حيث أسمائه وصفاته ، ومجهول من حيث ذاته

وقال: بظهور الموجودات تظهر الأسماء والصفات، أي بتعين وظهر الموجودات العلويات والسفليات الملكيات والملكوتيات، المحسوسات المعقولات تظهر الأسماء والصفات، إذ محال أن يظهر الاسم الخالق ولا مخلوق، والرازق ولا مرزوق، والمريد ولا مراد، والمعبود ولا عباد، والقادر ولا مقدور، والقاهر ولا مقهور، والستار ولا مستور، والغفار ولا مغفور، وهكذا جميع الأسماء والصفات لارتباطها جملة في سائر الموجودات، كارتباط المضاف بالمضاف إليه، ومن لم يعرف ذلك ذوقًا لا يعول عليه. فالاسم الخالق لا ظهور له من غيب الذات العلية إلا بوجود المخلوق ولا وجود للمخلوق إلا بالاسم الخالق، فهذا ارتبط بهذا، وهذا مرتبط بهذا، ولا غنى لهذا عن هذا، ولا لهذا عن هذا، وهكذا باقي الأسماء والصفات، فإنها مرتبطة في سائر الموجودات.

وأما الذات العليَّة البحت ، فهي غنية بذاتها عن جميع العالمين وما سواها مفتقر إليها افتقارًا ذاتيًا في كل نفس ولحظة ووقت وحين؛ إذ لها الإطلاق الحقيقي عن جميع القيود ، وغنية بذاتها حتى عن الأسماء وعن صفاتها، ولا تدخل تحت الحدود.

وقال: محبّته لك من أجل ظهوره بك بالصفات، ومحبتك له لأجل قوام وجودك بوجوده، ولأجل إمدادك بالبركات. إذ لا ظهور للأسماء والصفات كما مر آنفًا، إلا بوجود ما تعلّقت به الأسماء والصفات من الحضرة العلية من جميع المؤثرات، فمحبته لك محبته لأسمائه وصفاته ، ومحبته لأسمائه وصفاته راجعة لذاته ، ومحبتك له لأجل قوام وجودك بوجوده؛ إذ هو قيومك من حيث أسماؤه وصفاته، ولأجل إمدادك بالبركات بالغذاء الحي والمعنوي من تجليات ذاته، وعند الانتهاء يفطمك عن السوى، ويطعمك مطعمًا ما ذقت مثله أبدًا، فتجده عين الدوا، ويتعهدك في التربية إلى أن تبلغ مبالغ الرجال بفناء وجودك بوجوده، فتكون إذ ذاك من أهل الكمال، وأنت أيضًا ما أجبته إلا بما فيك من أسمائه وصفاته. وأسمائه وصفاته هي المحبّة لذاته كما أن ذاته هي المحبة لأسمائه وصفاته بمحبة واحدة، والوجود واحد، ولا يذوق ذلك إلا الفتى المجاهد.