قال الشيخ حسن بن موسى الباني الكردي في شرحه على حكم الشيخ الأكبر قدس سره:
المراد بالوصول: معرفة الله تعالى على وجه يقتضي القيام بحقوقه، والوقوف عند حد أمره ونهيه، بأن يصل القلب إلى العلم بجلاله وعظمته بحيث يباشر حقيقة القلب ويسري معناه إلى جميع الجوارح والبدن على حُكم العلم بلا توقف ولا اختيار.
والناس في هذا المقام مُتفقون في أصل الحقيقة ومتفاوتون في المراتب، فمنهم من وصل إلى صفوة اليقين ذوقا ووجدانًا، ومنهم من فني في أفعاله وأفعال غيره فخرج عن التدبير والاختيار فوجد الله بطريق الأفعال فلا يرى فعلاً إلا فعل الله تعالى. ومنهم من وجده تعالى بطريق الصفات فلا يرى إلا صفاته. ومنهم من يجده بطريق الأسماء فلا يرى اسماً إلا اسم الله. ومنهم من يجده بطريق الذات فلا يرى إلا ذاته وهو أعلى مراتب الوصول، ولكن لهذه المرتبة مقامات وحضرات لا تتناهى.
وليس المراد بالوصول البلوغ والاتصال لأنه تعالى جلّ أن يبلغه شيئًا، أو يبلغ إلى شيء، أو يتصل بشيءٍ أو يتصل به شيء؛ لأن ما ذكر كلها نسب ومسافات وعلل وإضافات هي من سمات المحدثات، والحق تعالى منزه عنها غاية التنزيه. قال سيد الطائفتين الإمام الجنيد قدس سره : متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير بمن له شبيه ونظير؟ هيهات هذا ظن عجيب إلا بما لطف اللطيف من حيث أن لا إدراك ولا وهم ولا إحاطة ولا إشارة إلا اليقين، وتحقيق الإيمان.
وحقيقة الوجود شيء واحد، وهو العلم بالله إذا كان بالله، ولا يحصل العلم بالله إلا بالاتصاف بالصفات الروحانية المتوقف عليها الانتقال من المرتبة الحيوانية، والطريق الأقرب أن تسعى في تصفية القلب بالتجريد الصوري أولاً، والتفريد الباطني ثانيًا يعني يجرد بالظاهر بترك الدنيا أو العزلة، والانقطاع عن الخلق والمألوفات وطلب الجاه والمال والمنال، ثم يفرد باطنا عن كل محبوب ومطلوب ما سوى الحق تعالى، وهذا طريق العاشقين والأول طريق الزاهدين. فإذا حصل للسالك تصفية القلب فيتوجه توجها تاما فيصير قابلاً لإمداد فيض الحق تعالى، فإذا حصل الفيض فمن أثره يتبدل في طرفة عين كثير من الصفات التي لا يمكن تبديل كل واحد منها في أزمنة مديدة بمجاهدات ورياضات كثيرة فافهم.