بحث متقدم
الأحد 14/6/1446 هـ - الموافق 15/12/2024 م
القائمة
الصفحة الرئيسية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
أخبار الطريقة الشاذلية الدرقاوية
جديد كلام العارفين بالله تعالى والمحققين الوارثين
الحقائق الإلهية في أشعار السادة الصوفية
مشايخ الطريقة
الأوراد
ورد الطريقة العام
أوراد الطريقة الخاصة
المكتبة
كتب تصوف بتحقيق الشيخ الدكتور عاصم الكيالي
مقالات صوفية
المكتبة المرئية
المكتبة المسموعة
مجموعة مخطوطات
كتب تصوف أخرى
تسجيل العضوية
للتواصل والاستفسار
الطريقة الشاذلية الدرقاوية
مقدمة عامة عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية
الطريقة الشاذلية الدرقاوية هي إحدى طرق التصوف الإسلامي التي تهتم بتوجيه المريد إلى الكمال الإنساني الذي يهدي إليه الدين الإسلامي بالمتابعة في مقام الأفعال كما هو مطلوب في الشريعة أو مقام الإسلام مصداقاً لقوله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [سورة آل عمران: 31] وبالتزكية والتحلية في مقام الصفات كما هو مطلوب في الطريقة أو مقام الإيمان مصداقاً لقوله تعالى: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [سورة الشمس: 7-10] وإلى مشاهدة تجليات الحق تعالى في مقام الذات كما هو مطلوب في الحقيقة أو مقام الإحسان مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ومصداقاً لقوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} [سورة الحديد: 4] ومصداقاً لقوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [سورة البقرة: 115]. سميت الطريقة بهذا الإسم نسبة إلى مؤسسها الشيخ أبي الحسن الشاذلي (توفي سنة 656 هجرية) الذي ينسب إليه كل السادة الشاذلية، ولكن لما تفرعت الطريقة إلى عدة فروع عرف هذا الفرع بإسم مؤسسه مولاي محمد العربي الدرقاوي المتوفى سنة 1239 هجرية. لا تفترق الطرق الصوفية في غاياتها لأن الغاية منها الوصول إلى معرفة الله تعالى عن طريق الشهود والعيان من خلال متابعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وصولاً إلى الفناء في الله تعالى والبقاء به، وإنما تختلف الوسائل والأصول التي يعتمدها شيوخ الطرق في الوصول إلى هذه الغاية، وأصول السادة الشاذلية الدرقاوية هي كما وصفها سيدي أحمد الكمشخانوي النقشبندي في كتابه "جامع الأصول في الأولياء" [الجزء الثاني، ص 41: "وأما طريقه [أي الإمام أبو الحسن الشاذلي] فجاء في طريق الله بالأسلوب العجيب والمنهج الغريب والمسلك العزيز القريب وجمع في ذلك بين العلم والعمل والحال والمقام والهمة والمقال، واشتملت طريقته على الجذب والمجاهدة والعناية واحتوت على الأدب والقرب والتسليم والرعاية وشيدت على العملين: الظاهر والباطن.. وكانت طريقته مبنية على طلب العلم والكثرة الذكر والحضور وكانت بهذا الاستحضار أسهل الطريق وأقربها. وليس فيها كثرة مجاهدة لأن ما في النفس من النور الأصلي يتعاضد ويقوى بنور العلم وببلوغ سداد طريقهم، وقوة يقينهم، وكثرة أنوارهم، وفتحهم وكشفهم، وذكاء قلوبهم مع غرق كثير منهم في الأسباب، وتلبسهم ظاهرا بأحوال العوام، فتراهم أبدا محفوظين في أحوالهم، محافظين على أعمالهم، قد انفتقت في قلوبهم أسرار العلم، ولاحت لهم حقائق الحكم والفهم، فترى أحدهم في صفة العامي وهو يلهج بالحقائق وينطق بالحكم والدقائق، مما يعز وجوده لأرباب الانقطاع والخلوات وأهل التجلي والمشاهدات، وهذا يدل على كثرة الأنوار وحصول العناية، وأنهم في صون وحماية" انتهى كلام الكمشخانوي.
غاية وجود الإنسان | معرفة الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم الأول والآخر والظاهر والباطن الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد آدم، الخليفة الحقيقي والفرد الخاتم والإنسان الكامل والرحمة المهداة من الكنزية المخفية الأحدية الأقدسية إلى أبد الواحدية الأسمائية والصفاتية القدسية.
وبعد، فإن الإنسان بفطرته وجبلته يسعى لتحقيق هدفين في وجوده لا ثالث لهما، الأول: البقاء والخلود، والثاني: تحقيق السعادة في حياته الدنيوية والنعيم الأبدي في حياته الأخروية. والسعادة تنقسم إلى نوعين: الأول سعادة جسدية مادية آنية فانية. والثاني سعادة عقلية روحية أبدية باقية.
وإن السعادة المادية مطلوبة في الدين الإسلامي من الإنسان على أنها من وسائل استمرار وجوده وليست غاية وجوده. إن معرفة الله تعالى في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله هي عين السعادة الحقيقية الروحية والنعيم الأبدي.
وإن الإنسان مفطور على معرفة الله تعالى مصداقاً لقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [سورة الروم، الآية 30]، ولكن بعد نزوله إلى الدنيا وانغماسه في شهواتها بإغواء الشيطان والنفس والهوى والناس تشوهت هذه المعرفة، فأرسل الله تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام، وأنزل كتبه للتذكير بتوحيد الفطرة.
إن الإيمان هو الموصل لتوحيد الفطرة، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول: إيمان التقليد وهو بالقول مع طمأنينة القلب، وهو المشار إليه بقوله تعالى: {قولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [سورة البقرة، الآية 136]. والثاني: إيمان المستدلين وهو المشار إليه بقوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة يونس، الآية 101]. والثالث: إيمان العارفين بالله تعالى وهو المشار إليه بقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [سورة آل عمران، الآية 18].
وهذه الأقسام الثلاثة: "ترجع إلى قسم واحد وهو ما ورد عن الله تعالى، قاله المقلدون بأفواههم، وتصوره المستدلون بأذهانهم، وشهده العارفون بأسرارهم. فهو في المقلد قول، وفي المستدل تصور، وفي العارف شهود. بمنزلة من قال بلسانه: نار، ومن تصور النار في ذهنه، ومن أدرك حرارتها ببدنه. فالقائل يستند في قوله إلى غيره حاكياً عنه. والمتصور يستند في شهوده إلى ذهنه حاكياً عنه، والمشاهد يستند في شهوده إلى حقيقة ما شاهده حاكياً عنه. فمعلم الأول آخر مثله، ومعلم الثاني فكره وذهنه، ومعلم الثالث ربه، كما قال بعض العارفين: أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. وشتان بين من ينطق عن غيره أو فكره وبين من ينطق عن ربه. فالحق الذي يجب الإيمان به واحد ولكن يختلف باختلاف الظهورات؛ فظهوره في أصحاب الأقوال غير ظهوره في أصحاب الاستدلال غير ظهوره في أصحاب شهود الأحوال" انتهى.
وهذا العلم الأخير علم شهود الأحوال والمقامات هو المعبر عنه بالعلم الوهبي أو العلم اللدني أو علم مقام الإحسان أو توحيد الشهود والعيان.
وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} [سورة البقرة، الآية 282]، وقوله تعالى: {وعلمناه من لدنا علما} [سورة الكهف الآية 65] والمشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم داعياً لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
وهذ العلم يعبر عنه أيضاً بعلم الحقيقية في مقابلة علم الشريعة وبينهما علم الطريقة. قال الشيخ أحمد بن عجيبة الحسني مبيناً الفرق بين الشريعة والحقيقة: "أُشكل على بعض الفضلاء قوله تعالى: {أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [سورة النحل، الآية 32] مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" الحديث.
والجواب أن الكتاب والسنة وردا بين شريعة وحقيقة. أو نقول: بين تشريع وتحقيق، فقد يشرعان في موضع ويحققان في آخر في ذلك الشيء بعينه، وقد يحققان في موضع ويشرعان فيه في آخر، وقد يشرع القرآن في موضع وتحققه السنة وقد تشرع السنة في موضع ويحققه القرآن فالرسول عليه السلام مبين لما أنزل الله.
قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم} [سورة النحل، الآية 44]. فقوله تعالى: {أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [سورة النحل، الآية 32]. هذا تشريع لأهل الحكمة وهم أهل الشريعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" هذا تحقيق لأهل القدرة وهم أهل الحقيقة.
إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعتبر محور الكون وسبب وجوده، فهو الوحيد الذي حمل أمانة استخلاف الله تعالى له في الأرض، فهو النموذج الخلقي الذي تظهر به ومن خلاله الكمالات الأسمائية الإلهية، فالإنسان هو المرآة الجامعة للعوالم الوجودية؛ الحقية والخلقية، الملكية والملكوتية. يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري في حكمه: "جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته".
إن الإنسان يقابل عالم الشهادة بجسمه الطيني، ويقابل عالم الملكوت بقلبه النوراني، ويقابل عالم الجبروت بروحه الأمري. لذلك كان الإنسان جامعاً للحقائق الوجودية كلها المادية والمعنوية، وفي ذلك يروى عن الإمام علي رضي الله عنه وكرم وجهه قوله: "أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر"، وفي الحديث الشريف: "إن الله خلق آدم على صورته" وفي رواية: "على صورة الرحمن". إن جمعية الإنسان للحقائق الخلقية الكونية، وللحقائق الروحية الملكوتية، وللحقائق الحقية الأمرية الجبروتية، هي التي رفعت قدره بين المخلوقات، وأهلته ليكون خليفة الله في أرضه وحاملاً لأمانته. قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة، الآية 30] وقال تعالى: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [سورة الأحزاب، الآية 72]. وفي الحديث الشريف: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
ولأن العوالم الوجودية ثلاثة: الملك والملكوت والجبروت، ولأن الإنسان كون جامع لهذه العوالم بحقائقه الحسية والمعنوية، جاء الدين الإسلامي كاملاً ومتضمناً للإسلام والإيمان والإحسان. فالإسلام في مقابل جسم الإنسان الملكي الشهادي، والإيمان في مقابل قلبه الملكوتي الغيبي، والإحسان في مقابل روحه الأمري الجبروتي. 5 ولمعرفة المزيد عن الأسرار والحقائق الكونية الآفاقية الملكية، والأنفسية الروحية الملكوتية، والكمالات الأمرية الجبروتية الإلهية الكاشفة عن معرفة الحقيقة المحمدية والإنسان عموماً والإنسان الكامل خصوصاً، ما عليك إلا الإبحار في هذا الموقع والغوص فيه لاستخراج فصوص الحكم الحقية والخلقية الخالدة.