قال سيدي الخضر الشجعي، خليفة سيدي محمد الحراق، في رسائله:
السكون تحت مجاري الأقدار من شيم الأخيار الكبار، والعلم بأنه المبلي لك يخفف عنك ألم البلاء أو يذهبه بالكلية، والاكتفاء بعلم الله حالة كبيرة وملة إبراهيمية {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، والصوفي يجمع همته على الله ويُؤيس من نفع غيره أو ضره كما يحصل له اليأس من الله أن يعطيه غير ما قسمه له في الأزل.
فاترك شهوة الشفاء يعافيك الله، واختر ما عند الله وأحبب لقاءه يحب الله لقاءك، ربما أطال عليك ليل الجلال لتشره نفسك لصباح الجمال فتصبح في شبكة الشهوة {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}، وإن خطر عليك الاختيار والطلب فكن فيه مفوضا مستندا إلى مشيئة الله من حيث يعلم أنه لك عافية، فمن شأن النفوس الجولان في عالم الملك، ومن شأن الروح والسر الجولان في عالم الملكوت والجبروت، والعبد منسوب لما غلب عليه، والعبد إن تولاه مولاه يلهمه أدب الوقت من طلب واختيار واضطرار وسكون واطمئنان تحت مجاري الأقدار {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور}ِ.
واختبر نفسك أين ظنك بربك ثم هو أنت، إن خيرا فخيراً وإن غيراً فغيراً، "أنا عند ظن عبدي بي" الحديث. والله يؤيدنا وإياك، فالعاقل ناظر ما يفعل الله به في كل وقت، ودفع الله ما كان أعظم.
واعلم أن الرجوع إلى الله الحقيقي والدخول في جلابيب العبودية واجتناء ثمار جنة الحضرة القدوسية لا يناله إلا أرباب النفوس المطمئنة، ومعلوم أن الاطمئنان لا يكون مع الالتفات إلى شيء من عالم الأكوان، القلب محجوب عن النظرة ولو بالالتفات لأدنى من ذرة، العبد قن ما بقي عليه درهم، وإذا دخل الإنسان حصن العبودية حفظه الله من تسلط وساوس شياطين الغفلة، فافن عن الأسباب في مسبب الأسباب وابتغ عند الله أرزاق روحك وشبحك واعلم أن لا حول ولا قوة إلا بالله.