قال سيدي إسماعيل حقي البروسوي:
التوحيد على ثلاث مراتب مذكورة في القرآن: الأولى: "لا إله إلا هو" وهي مرتبة المبتدئين، والثانية: "لا إله إلا أنت"، وهي مرتبة المتوسطين. والثالثة: "لا إله إلا أنا" وهي مرتبة المنتهين لكنه في الحقيقة الله تعالى، وكونه مرتبتهم باعتبار انكشاف حقيقة الحال لديهم في مرتبة قرب الفرائض لا يستدعي أن يكون العبد حقًا، فإن مرتبة العبودية غير مرتبة الربوبية ولله در من راعي المراتب.
وهو أي التوحيد لكونه باعتبار توهم وجود الغير عائد إلى العبد ويقتضي العودة عن الشرك، إذ ليس في الوجود سوى الله، فكيف يوحد من وحدته بذاته وليس فيه كثرة في نفس الأمر؟ فكونه توحيد إنما هو بالنسبة إلى المحجوبين القائلين بوجود الغير كما أن الذكر إنما هو بالنسبة إلى الغافلين الناسين، ولذا قالوا: ليس في الجنة ذكر؛ لأنه طرد الغفلة وليس في الجنة غفلة.
فحال العارف المنتهي ليس بتوحيد ولا ذكر، وإنما جاء التوحيد والذكر من ضيق العبارة، بل هو عين توحيد وذكر بجميع أجزائه وحياته، وعلم بكل أعضائه، يدل عليه قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}، فإن الحياة الدنيوية إذا كانت حياة أخروية بتبدل الأوصاف المجازية إلى الأوصاف الحقيقية يظهر سر الله الأزلي في مرآة الوجود الأبدي، فيكون القلب قالبا، والقالب قلبا والدنيا آخرة والآخرة دنيا فيشتمل الإحاطة الظاهر والباطن والأول والآخر، ولا يبقى سوى الوحدة والحقيقة السارية في جمع التعينات في كل المواطن فكيف الذكر هناك والتوحيد وهما نسبتان بين الذاكر والمذكور والموحد والواحد على مقتضى الكثرة والتعدد؟