قال الشيخ يوسف بن أحمد المولوي في شرحه على المثنوي:
اعلم أن العارفين القاعدين فى بساتين الملكوت اذا قرعت قلوبهم نغمات أسرار اللاهوت لا يسمعها قليلو الاذعان قبيحو الفعال من أهل الناسوت، على موجب قوله تعالى:{فى قلوبهم مرض}. والامراض تورث العلل، والكمل اطباء القلوب يعلمون بالكشف انه قابل الصلاح أم لا فالعلل تغير مرآة القلب بصدأ الأغياروالطبيب يعالج هذا بشراب المحبة وبمعاجين المعرفة فيعرى السالك من الأمراض البشرية.
واعلم أن المحبوب هو الجملة، والعاشق حجاب. الحىّ الذى لا يموت معشوق والعاشق ميت {إنك ميت وإنهم ميتون} وفان {كل شيء هالك إلا وجهه}.
يعنى اذا تجرّد السالك من قيد الجزئية عرج لقدس الترقي، ونهايته متصلة ببداية قوس التنزل، وبالتقاء المقدمة الصغرى بالكبرى تنجلي عن روحه حقيقة المحبة الأصلية، وهي المعرفة الفطرية والفقر الذاتي والعدم الأصلي، فيظهر عليه وفيه تجلي الذات، وبه يقترن الفناء باللّه بالبقاء باللّه.
فاذا كملت النتيجة السرمدية بالتجليات الأبدية تامّة الاستدارة حصل له شهود المحبوب الحق تعالى هو الجملة، وأن العاشق حجاب، وأن المعشوق حي وأن العاشق ميت وفان، ويفنى عن الفناء إلى فناء آخر حتى يزيل مقتضيات نفسه بوجه لا يبقى أثر لمخالفة الشريعة والطريقة، بأن لا يتحرك الا للّه ولا يسكن الا للّه ولا يتكلم الا للّه فتظهر له صعقة: "ليس فى الوجود غير اللّه" وشهقة: "هو هو".
ويظهر له سر {فأينما تولوا فثم وجه الله}، فيقول لسان حاله: كيف أنا أدرك قدّام وخلف اذا لم يكن نور محبوبى قدّامى وخلفي؟ يعنى الاسرار الجارية من لسانى آثار جمعية الهوية المطلقة بلا معية ولا اثنينية، لكونى فانيا فى الحق فناء مطلقا وباقيا به، فإذا تموّج بحر العشق يقطع عقال العقل ورأس الأنانية، وترجع الاوهام الى العدم، وتمحى الكثرات فى بحر الوحدة.
فالانوار الساطعة من هذه المشكاة النورية تترشح بالعبارات و الكلمات الروحانية، والجهات تتصوّر فى محل يعتبر له ابتداء وانتهاء، إلا أن نور تجلي احدىّ الذات منزه عن الجهات، قال اللّه تعالى: {لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَلاٰ غَرْبِيَّةٍ}، فكل من ذاق زيت هذه الشجرة يمحى بفناء الفناء ويقطع قيد الشعور ولا شعور.
و لا يخفى على أهل الصفا أن عقلنا وقع فى العشق وزيت قلبنا احترق بناره فان أردت أن تكون محرما فكن من أفراد هؤلاء المجانين الذين قيل في حقهم:
مجانين إلا ان سرّ جنونهم عجيب على أبوابهم يسجد العقل
فالعاشق غريق نور التجلي لا ينظر لغير جمال الوحدة ولا يربط بقيد الجهات.