شرح الحكمة العطائية الخامسة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الخامسة: 
«اجتهادك فيما ضمن لك و تقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك» .
شرح الحكمة: 
أن الشيء الذي ضمنه اللّه تعالى لنا هو الرزق و ذلك في قوله تعالى: وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ رِزْقُهٰا [هود:6]و قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاٰ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اَللّٰهُ يَرْزُقُهٰا وَ إِيّٰاكُمْ [العنكبوت:60]و الآيات القرآنية في ذلك كثيرة. و إن الشيء الذي طلبه الحق تعالى من الخلق هو العبادة، و الآيات في ذلك كثيرة أيضا منها قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]و تمام هذه الآية قوله تعالى: *وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (6) [هود:6].
فعلى الإنسان أن لا يبذل كل وسعه في جلب الرزق الذي كفله اللّه له، و يترك أو يقصر في عبادة اللّه تعالى التي طلبها الحق تعالى منه، لأنه إذا فعل ذلك يكون مطموس البصيرة.
و البصيرة هي نظر القلب، كما أن البصر هو نظر العين و بالبصيرة ينظر الإنسان إلى الأمور المعنوية كما أنه بالبصر ينظر إلى الأمور الحسية. و هذا الذي ذكرته الحكمة من انطماس البصيرة يتحقق باجتماع الأمرين: الاجتهاد في طلب الرزق المضمون و التقصير في طلب العبادة المطلوبة، أما إذا طلب الرزق الحلال من غير تقصير في العبادة فهذا عين الحكمة. قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له» رواه الطبراني في الأوسط.
فعلى الإنسان أن يكون عاقلا حكيما ينظر ببصره إلى الدنيا فيأخذ منها ما يحتاجه في سيره إلى الآخرة التي ينظر إليها ببصيرته فيجتهد في طلبها و يجد، قال تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلاّٰ مٰا سَعىٰ(٣٩) [النّجم:٣٩]و قال تعالى: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ اَلْأُولىٰ (4) [الضّحى:4].