شرح الحكمة العطائية الرابعة من كتاب اللطائف الإلهية

 

 الحكمة الرابعة: 

«ادفن وجودك في أرض الخمول، فما نبت ممّا لم يدفن لا يتمّ نتاجه» .
شرح الحكمة:
هذه الحكمة تحث الإنسان على عدم التصدر للخلق بالإرشاد و النصح من أجل الشهرة قبل أن يزكي نفسه بالأخلاق الحميدة، و ينمي عقله بالعلم الغزير فإذا ما فعل ذلك استفاد منه الخلق و أثمرت شجرته.
فإنه لا شيء أضر على النفس من الشهرة قبل بناء الشخصية البناء الصحيح لذلك قالوا: حب الظهور يقسم الظهور. و قالوا: كل ظهور يتبعه عداوة. و قال إبراهيم بن أدهم: «ما صدق اللّه من أحب الشهرة» . و قال رجل لبشر بن الحارث و هو من أصحاب الفضيل بن عياض: «أوصني. فقال له: أخمل ذكرك و أطب مطعمك» . و هذا كله لكي لا يدخل الرياء إلى قلبه فيحبط عمله.
و لا يظن أحد أن هذه الحكمة تدعو إلى السلبية و الانهزام، بل هي على العكس من ذلك فإنها تدعو إلى العزلة المؤقتة التي تسمح للإنسان بالتحصيل العلمي و تزكية النفس. فالعلم و الأخلاق شرطان أساسيان لمن أراد أن يتصدر لتعليم الخلق و نصحهم لكي يؤثر عمله إيجابا في الناس و يستفيدوا منه، فيحصل النفع و تتم الفائدة. فكما أن من شرط إثمار الشجرة دفن البزرة في الأرض فمن شرط إنتاج المرشد أن يعزل نفسه مدة من الزمان تساعده على تحصيل العلم و الأخلاق المطلوبين في عمله الإرشادي التعليمي.