شرح الحكمة العطائية السابعة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة السابعة 
«إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النّفس» .
شرح الحكمة : 
إن الإنسان دائم الانشغال بدنياه، و مشاغل الدنيا لا تنقضي، و ذلك لأن الإنسان لا يشبع منها مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى أن يكون له واديان، و ما ملأ جوف ابن آدم إلا التراب» قال الشاعر:
نروح و نغدو لحاجاتنا و حاجات من عاش لا تنقضي 
و قال آخر:
فما قضى أحد منها لبانته و لا انتهى أرب إلا إلى أرب 
فهذه الحكمة تحذر الإنسان من تأخير الأعمال الصالحة التي طالبه بها الحق تعالى من أجل سعادته الأخروية إلى أن يتفرغ من مشاغل الدنيا، فإن هذا التفكير و هذا التسويف هو من رعونات نفسه أي من حمقها، لأن النفس أمّارة بالسوء فهي لا تشبع من الدنيا و شهواتها. و النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول:
«الكيّس (العاقل) من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على اللّه الأماني» . و قديما قالوا:
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
و روى الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف موقوفا على بكر المزني : «ما من يوم أخرجه اللّه إلى أهل الدنيا إلا ينادي:
ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي. و لا ليلة إلا تنادي: ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي» .
فالإنسان العاقل لا يؤثر الدنيا على الآخرة بتأجيله الأعمال الصالحة إلى وقت فراغه. قال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ اَلْحَيٰاةَ اَلدُّنْيٰا (16) وَ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ(17) [الأعلى: ۵٧
الآيتان 16،١٧]. و مما قيل في ذلك: «ألا و إن من علامة العقل التجافي عن دار الغرور، و الإنابة إلى دار الخلود و التزود لسكنى القبور و التأهب ليوم النشور» .
فعلى الإنسان أن يكون كيّسا فطنا ثاقب الذهن فيبادر إلى انتهاز الفرصة في الأعمال الصالحة قبل أن يفاجئه الأجل المحتوم فيندم على ما فرط في جنب اللّه سبحانه و تعالى.