شرح الحكمة العطائية السادسة والعشرين من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة السادسة والعشرون:

"خير العلم ما كانت الخشية معه. العلم إذا قارنته الخشية فلك وإلا فعليك".

شرح الحكمة:
إن أشرف العلوم أشرفها معلوم، وأشرف معلوم هو ذات الله تعالى وصفاته وأسماؤه، فالعلوم الشرعية من أعظم العلوم لأنها تدلنا على 
اللّه تعالى و تقربنا منه، و كذلك العلوم الكونية التي تحقق نفس الغاية و الهدف. إلا أن هذه العلوم لا ينتفع بها الإنسان إلا إذا لازمها الخشية من اللّه تعالى، لأن الخشية مهابة يصحبها تعظيم، أو خوف يصحبه إجلال، يدفعان صاحبها للعمل بما علم، و إذا عمل بما علم أورثه اللّه تعالى علم ما لم يعلم، و قد امتدح اللّه تعالى العلماء العاملين الذين يخشونه بقوله: إِنَّمٰا يَخْشَى اَللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ اَلْعُلَمٰاءُ [فاطر:28].
و تحدّث الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه «لطائف المنن» عن العلم الذي تصحبه خشية قائلا: «فشاهد العلم الذي هو مطلوب اللّه تعالى وجود الخشية للّه، و شاهد الخشية موافقة الأمر» ، ثم تحدّث عن العلم بدون خشية فقال: «أما علم تكون معه الرغبة في الدنيا، و التملق لأربابها، و صرف الهمة لاكتسابها، و الجمع و الإدخار و الاستكثار، فما أبعد من هذا العلم علمه، من أين يكون من ورثة الأنبياء؟ و هل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي يكون بها عند الموروث عنه؟» .
يشير الشيخ الشعراني في الفقرة الأخيرة إلى قول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر» .
و لا شك أن علم الأنبياء تصحبه الخشية، فيشترط في العالم الوارث أن يحافظ على الصفة التي كان بها هذا العلم عند الأنبياء الموروث عنهم، لكي ينتفع به و ينفع به الآخرين، و يحصل ثمرته من معرفة اللّه تعالى و قربه و رضاه، و دخول جنته يوم القيامة، و النظر إلى وجهه الكريم.
إن العلم النافع الذي صحبته الخشية من اللّه تعالى له علامات يعرف بها، منها: ما ورد في جواب الإمام الجنيد رحمه اللّه تعالى عندما سأله أحد تلامذته عن هذا العلم قائلا: «و العلم النافع: ما يدل صاحبه على التواضع، و دوام المجاهدة، و رعاية السر، و مراقبة الظاهر، و الخوف من اللّه، و الإعراض عن الدنيا و عن طالبيها، و التقلل منها، و مجانبة أربابها، و ترك ما فيها على من فيها من أهلها، و النصيحة للخلق، و حسن الخلق معهم، و مجالسة الفقراء و تعظيم أولياء اللّه تعالى و الإقبال على ما يعنيه» .
و أما العلم الذي لم تقارنه الخشية من اللّه تعالى، فهو وبال على صاحبه، و فيه هلاكه لما سيجره عليه من ضر و إثم و عقاب، فهو حجة عليه لا له يوم القيامة، مصداقا لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«الصدقة برهان، و الصبر ضياء، و القرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه أو موبقها» (رواه مسلم) و قد استعاذ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم من هذا العلم الذي لم تقارنه الخشية بقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع» (رواه ابن حبان) . 85
و قال سفيان الثوري رضي اللّه عنه: «إنما يتعلم العلم ليتقى به اللّه تعالى، و إنما فضل العلم على غيره لأنه يتقى اللّه به» . و قال صلى اللّه عليه و سلم:
«من تعلّم علما مما يبتغى به وجه اللّه تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة (أي رائحتها) يوم القيامة» .
فعليك أيها المسلم بالعلم النافع المقرون بالخشية من اللّه تعالى لتجد نوره في قلبك فتزداد معرفتك بربك عزّ و جل، و ذلك لأن الخشية توصل إلى التقوى، و هو يوصل إلى العلم اللدني الوهبي المشار إليه بقوله تعالى: آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً [الكهف:65]، مصدقا لقوله تعالى: وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، فهذا العلم هو المقصود من قول اللّه تعالى مخاطبا نبيه صلى اللّه عليه و سلم: وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].