شرح الحكمة العطائية العاشرة من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة العاشرة: 
«تشوّفك إلى ما بطن فيك من العيوب، خير لك من تشوّفك إلى ما حجب عنك من الغيوب» .
شرح الحكمة: 
نمهد لشرح الحكمة بالقول: إن الإنسان كائن صغير في حجمه كبير في حقيقته، فهو مركب من مادة و معنى و هما يشكلان مجموع جسم الإنسان و عقله و قلبه و نفسه و روحه، و النفس مليئة بالعيوب بدليل قول اللّه تعالى: إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:۵٣] فهي تميل إلى الدنيا بشهواتها، و هذا يدفعها إلى معصية اللّه تعالى و التخلق بالأخلاق الذميمة. و إن الروح تميل إلى عالم الملكوت فهي دائمة التشوف و التطلع إليه. فهذه الحكمة تحث المسلم على النظر فيما غاب عنه من عيوب نفسه ليتجنبها بدلا من أن يتطلع و يتشوف إلى ما خفي و استتر عنه من عالم الملكوت.
و أن عيوب الإنسان كثيرة؛ منها ما هو نفسي و منها ما هو قلبي و منها ما هو روحي.
و أن عيوب النفس و أمراضها منها ما هو ظاهر جلي كحب الشهوات الدنيوية من مأكل و مشرب و ملبس و مركب و مسكن و منكح، و يدخل فيها الغيبة و النميمة و الغش و الكذب و غير ذلك.
و منها ما هو باطن خفي، و يسمى بالأمراض القلبية كحب التسلط على الخلق بالرياسة و حب العز و الجاه و المداهنة و الكبر و العجب و الرياء و الحسد و الحقد و غير ذلك.
و أما العيوب المنسوبة إلى الروح، فهي تعلقها بالحظوظ الباطنية كحب الاطلاع على المغيبات و الأسرار الملكوتية و طلب الكرامات و المقامات و غير ذلك.
فالإنسان العاقل هو الذي يتطلع و يتشوف إلى الاشتغال بعيوبه النفسية و القلبية و الروحية، فيعمل جهده في التخلص منها، فيقوم بحقوق عبوديته للّه تعالى، فإن هذا خير له من التطلع و التشوف إلى ما حجب عنه من غيوب الملكوت، لأن اشتغاله بذلك يمنعه من القيام بحقوق الربوبية للّه تعالى و في ذلك قال العارفون باللّه تعالى:
«كن طالب الاستقامة و لا تكن طالب الكرامة، فإن نفسك تدفعك لطلب الكرامة، و مولاك يطالبك بالاستقامة، و لأن تكون بحق ربك أولى من أن تكون بحظ نفسك» .
فنسأل اللّه تعالى أن يجعلنا ممن يهتم بعيوب نفسه فيعمل على تطهيرها من الأخلاق الرديئة بدلا من الاهتمام بما حجب عنا من مغيبات لنتحقق بقوله تعالى:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا (٩) وَ قَدْ خٰابَ مَنْ دَسّٰاهٰا (١٠) [الشّمس:٩،١٠]، فندخل في قوله تعالى: يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبٰادِي (29) وَ اُدْخُلِي جَنَّتِي (٣٠) [الفجر:٢٧-٣٠].