شرح الحكمة العطائية الواحدة والعشرين من كتاب اللطائف الإلهية

الحكمة الواحدة و العشرون: 
«لمّا علم الحقّ منك وجود الملل لوّن لك الطّاعات، و علم ما فيك من وجود الشّره فحجرها عليك في بعض الأوقات، ليكون همّك إقامة الصّلاة لا وجود الصّلاة، فما كلّ مصلّ مقيم» .
شرح الحكمة:
قبل البدء في شرح الحكمة أوضح بعض الألفاظ الواردة فيها ليسهل علينا فهم معناها العام.
فالملل: هو السآمة و الضجر من عمل يلحق الشخص فيه مشقة فيدفعه الملل إلى تركه.
لوّن: أي نوّع لك الطاعات و عددها من صلاة و صيام و تلاوة و ذكر و غير ذلك.
و الشره: مجاوزة الحد في التسارع إلى العمل و الحرص عليه فيؤديه ذلك إلى وقوع النقص و التقصير فيه.
حجرها: أي منعها في بعض الأوقات.
إقامة الصلاة: أي تعديل أركانها و توفير شروطها و تكميل آدابها بقدر الوسع. 76
فيكون معنى الحكمة العام: أن اللّه سبحانه و تعالى خالق كل شيء، القائل:
أَ لاٰ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ (14) [الملك:14]علم أننا نضجر و نسأم من تكرار العمل الواحد لذلك فرض علينا أعمالا متنوعة لكي نتجنب الوقوع في هذا الملل قال النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«إنّ اللّه لا يمل حتى تملّوا» . و في ذلك قيل:
لا يصلح النفس إذ كانت مدبّرة إلا التنقل من حال إلى حال 
قال الشيخ أحمد زروق رحمه اللّه تعالى: لونت له (أي للعبد) الطاعة (أي العبادات) لثلاثة أوجه: أحدها: رحمة به ليستريح من لون إلى لون، و الثاني: إقامة للحجة عليه إذ لا عذر له في الترك (أي لعدم وجود الملل و السآمة) ، و الثالث: ليثبت له النسبة في العمل بوجود التخيير في الجملة فتكمل الكرامة و تسهل الطاعة (و هذا خاص بنوافل الطاعات) .
و أيضا لمّا علم الحق تعالى من عباده وجود الشره و هو حبهم الشديد للخير و العجلة في كسبه مصداقا لقوله تعالى: وَ إِنَّهُ لِحُبِّ اَلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) [العاديات:8] و قوله تعالى: خُلِقَ اَلْإِنْسٰانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء:37]و قوله: وَ كٰانَ اَلْإِنْسٰانُ عَجُولاً [الإسراء:11]و قوله مخاطبا نبيه: وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه:114]، مما سيدفعهم للسرعة المؤدية لوجود النقص في العبادة، لأنه سيصبح همهم فعل الصلاة لا إقامة الصلاة، منعهم من فعل بعض الطاعات في بعض الأوقات ليكون همهم إقامة الصلاة لا مجرد فعل الصلاة و إيجاد صورتها. قال الشيخ أبو العباس المرسي رحمه اللّه تعالى: «كل موضع ذكر فيه المصلون في معرض المدح، فإنه إنما جاء لمن أقام الصلاة، إما بلفظ الإقامة، أو بمعنى يرجع إليها، قال اللّه سبحانه: اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ [البقرة:3]و قال اللّه تعالى:
رَبِّ اِجْعَلْنِي مُقِيمَ اَلصَّلاٰةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40]و قال اللّه عزّ و جل: وَ أَقِمِ اَلصَّلاٰةَ [هود:114]و قوله وَ إِقٰامَ اَلصَّلاٰةِ [الأنبياء:73]و قوله: وَ اَلْمُقِيمِي اَلصَّلاٰةِ [الحجّ:35]. و لما ذكر اللّه تعالى المصلين بالغفلة قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاٰتِهِمْ سٰاهُونَ (5) [الماعون: الآيتان 4،5]و لم يقل فويل للمقيمين الصلاة الذين هم عن صلاتهم ساهون» .
يتبين لنا مما تقدم أن على المسلم أن يكون همه إقامة الطاعة، بحفظ أركانها و سننها و الخشوع فيها و الحضور مع اللّه فيها، لا مجرد فعلها ليجد ثمرتها في روحه و قلبه و نفسه و سلوكه، قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فلا صلاة 77
له» فهذا هو المقصود من هذه الحكمة، و ذكرت الصلاة كمثال لأنها أكثر الفرائض وقوعا من المكلّف.